مقالات

التطبيع وفقدان الشرعية السياسية

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2023-10-01

خلال هذا الأسبوع تسارعت أخبار اقتراب تطبيع محمد بن سلمان مع الكيان المحتل في فلسطين وبمباركة أمريكية، مع أن كل المؤشرات منذ عام ٢٠١٧ كانت تشير إلى أن محمد بن سلمان يتعامل مع الصهاينة وأن خروج هذه العلاقة المشبوهة إلى العلن هي مسألة وقت، فمن خلال مشاركات تركي الفيصل والسفيرة السعودية في أمريكا وغيرهم من أبواق السلطة كانت هناك إشارات واضحة بعدم وجود خلاف سياسي وأخلاقي مع المحتل، بل الخلاف هو مع الأمريكان حول الثمن الذي سوف يحصل عليه محمد بن سلمان، فبكل وضوح يبدو أن الصهاينة يدفعون البيت الأبيض لتنفيذ رغبات المدلل محمد بن سلمان. محظوظ هذا المحتل في هذا الزمن.

لقد صادف لحظة تاريخية ينهار فيها النظام السياسي العربي، وتنهار معه الشعارات والخطط المناهضة للاستعمار والاحتلال. لقد أضحى الحال أن هذه الأنظمة المستبدة تجد في المحتل الإسرائيلي السكينة والتشابه والمصالح المشتركة التي تتضمن قمع شعوب المنطقة. فالمحتل لم يتوانى يوماً عن تقديم التقنية الغير مشروعه لملاحقة الشعوب والتجسس عليهم، حتى في تقديم منافعهم يبدون أنهم وضيعون إلى درجة تضمحل أمامها الكلمات. 

في وطننا الغالي، لقد نشأنا وترعرعنا على أن فلسطين محتلة من كيان مجرم وأن التعامل مع هذا الكيان جريمة يعاقب عليها القانون. ومع هذا فإن نفوس أبناء هذا الوطن والوطن العربي من المحيط إلى الخليج تتعالى أن تنزل إلى وحل التعاون والصداقة مع المحتل، لأن الشعب العربي وأبناء الجزيرة العربية يعلمون يقيناً أن النظام السعودي فاجر وطاغية، وأنه ليس بغريب على السلطة السعودية هذا الاقتراب والالتصاق بالمحتل. 

إذا كان محمد بن سلمان قد قمع كل صوت وأزهق الأرواح وبذر الأموال وأفسد المزاج الاجتماعي والأمني بعبثه فمن الطبيعي أن تصافح يده يد من هو على شاكلته، لهذا نحن نعلم أن الشرعية السياسية السعودية على المحك، فالعقد الاجتماعي بدأ ينفرط عقده ، ومن خلال استقراء السنوات التي ولت نجد أن السلطة تكسر أصول التعاقد السياسي مع الشعب، وإن كان هذا التعاقد تغير بعض ملامحه، لكن هناك ثوابت. أهم هذه الثوابت هو الأساس الديني لهذه الدولة، الأمن، الرخاء الاقتصادي، البوصلة الأخلاقية نحو فلسطين. لكن محمد بن سلمان شخص لا يتمتع بأي أخلاق أو ضمير. لقد أمر بقتل مواطن وتقطيعه في سفارة بلده! هل هناك ما هو أكثر بشاعة من هذه الجريمة؟ محمد بن سلمان تلذذ في اعتقال كافة المواطنين وضربهم وإهانتهم، وما هو معلوم عن هذه القصص الواقعية متحفظ عليه من قبل أهالي الضحايا إلى يوم موعود.

في كل خطوة يخطوها مبس نحو الجريمة، الفساد، التطبيع، السرقة، الاغتيالات، القمع هو يحلحل أواصر العقد الاجتماعي، وبهذا هو يقلل من الشرعية السياسية لهذه الدولة. 

وهو بكل تأكيد في عيون الكثير من المواطنين ليس له شرعية، لكن يمتلك زمام القوة الأمنية وكل ما بيده هو البطش والقمع لا أكثر. 

فلا يوجد مبرر حقيقي يدعم الالتصاق بالمحتل، لكن هذه الخطوة مهمة في توضيح حقيقة محمد بن سلمان، وهي خطوة يترتب عليها الكثير من الأمور، أهمها فقدان الصورة المزيفة عن حامي الحرمين الشريفين، إلى مجرم وفاسد يقترب من المحتل. التغيرات في الرأي العام لا تتشكل من موقف واحد، بل هي تتكون مع الوقت، موقف بعد موقف إلى أن تأتي الطامة الكبرى. 

الشرعية هي عبارة تصف البعد الأخلاقي والسياسي في نظرة المواطنين للدولة حتى لو كان هناك خلاف أو خلافات. لكن هناك أساسيات شرعية تقوم عليها قاعدة التوافق بين الحاكم والمحكوم، في حالة السلطة الحالية لازال الوضع الاقتصادي جيداً و هناك شبكات من الأمان المالي، لكن في البعد الأخلاقي هناك شرخ ضخم في أن محمد بن سلمان يدنس سمعة هذا البلد في اقترابه مع الاحتلال. ولن يستطيع أن يغسل هذا العار مهما حدث حتى لو اعتكف في المسجد الأقصى! 

اليوم من يحاسب محمد بن سلمان ليس فقط أبناء الوطن، بل جميع العرب والمسلمين والعالم الحر. محمد بن سلمان مُثقل بالجرائم والإسفاف والغباء السياسي، لكن التطبيع مع الاحتلال هو الضربة القاضية التي سوف تجعل الجميع ينظرهله بنظرة دونية وأنه مجرد عميل للاحتلال وعون لهم في إفساد المنطقة العربية. 

أخيراً، رسالة للاحتلال شعباً وحكومة، أنتم غير مرحب بكم في وطننا، ولا يشرفنا رؤيتكم أو حتى التفكير في الحديث معكم. أنتم مجرمون محتلون للأرض وقتلة لشعب فلسطين. وسوف تأتي العدالة يوما ما لتحاسبكم، ونتعهد أمام الله بأننا لن نسمح لكم بالعبث في وطننا مهما قدمت لكم الدولة من حماية وغطاء. لهذا نحذركم بعدم الاقتراب من أرض وطننا، لأن الثمن سوف يكون غالياً، والله على ما أقول شهيد.