مقالات

مقاومة الاحتلال والتحرر من الاستبداد

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2023-10-10

هناك ترابط جم وصريح وواضح بين تضامن الحركات الاجتماعية والسياسية والثورية نحو الاحتلال في جل بقاع الأرض. فالحركة التي حررت الهند من الاحتلال الإنجليزي تشكلت أول أفكارها في جنوب أفريقيا. وفي ذات السياق أثرت حركة الحقوق المدنية الأمريكية التي كانت ضد الهيمنة الأمريكية في الخارج وضد الحرب الفيتنامية بشكل أدق. في سياقنا العربي والإسلامي، يتجاهل العالم الحصار الخانق على غزة لأكثر من خمسة عشر عاماً. إنه ليس حصاراً عادي. إنه حصار قاتل، لا دواء لا طعام. تخيل أن تعيش في سجن مفتوح. حتى اللعب على الشواطئ الرملية لا يخلو من الخطر. لقد لقي العديد من الأطفال مقتلهم أمام كاميرات العالم في مشهد لا يمكن أن يُنسى. لقد حاول عدد من الشرفاء والنبلاء كسر حصار غزة عبر الأسطول البحري لكن تم قتل عدد منهم وإيقافهم بالقوة. ماذا كان يحمل ذلك الأسطول؟ أدوية، طعام، مستلزمات ضرورية للحياة. لكن الصهاينة يضربون بكل قيم الإنسانية والرحمة عرض الحائط. ويا للمفارقة أن هؤلاء البطشة الدمويون هم من أبناء الناجين في المحرقة النازية، لكنهم أسوأ من النازيين.

لقد شنت وتشن قوات الاحتلال الراجمات والقاذفات وطائرات المراقبة سماء غزة كل حين. حتى أن أنين تلك الطائرات أضحى طبيعياً لدى سكان ذلك السجن المفتوح. لقد صبر أهل فلسطين على قبح هذا الاحتلال وعلى تخاذل وتواطؤ الحكام العرب من مصر ودول الخليج والأردن في الوقوف في وجه هذا المحتل. إنها معركة بين الخير والشر، بين أن تقف مع شعب معزول ليس له قيمة في ميزان الاقتصاد والاعمال والسياحة والسياسة وبين أن تقف مع قاتل مجرم محتل له ثقل كبير في العواصم الأوربية والأمريكية ومن خلفه من مكنة إعلامية تجمل قبح هذا المحتل وتتستر على جرائمه التي لا يمكن محوها من التاريخ. يتباكى الصهاينة ويدهم ملطخة بالدماء، لكن ليست هذه المعضلة الأساسية، نحن نعلم أن تحرير فلسطين هي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل. سوف تتحرر فلسطين بالقوة، بسلاح أبنائها وسوف يستسلم المحتلون وهم صاغرون.

لكن الأزمة التي يراد لها أن تتشعب هي أن أنظمة الاستبداد تريد أن توهم العالم أن حركات المقاومة إرهابية وأن المحتل هو المسالم والوديع الذي لا يمكن أن يمس الفلسطينيين بأذى. السؤال لماذا تفعل السلطات في مصر وبعض دول الخليج هذا السلوك الخانع؟ أعتقد والله أعلم أن الأنظمة التسلطية تجد في المحتل عناصر متشابهة في عدم وجود شرعية أساسية لهذه الكيانات المختلة. فهي لم تقم بناء على أساس شرعي، أن قدوم هذه الأنظمة وسيطرتها على مقاليد السلطة أتى بالإكراه تارة وبالتسلط تارة أخرى. فهذ السيسي أوضح مثال، قدم للسلطة بعد انقلاب على أول عملية ديمقراطية في تاريخ مصر. وهذا ابن سلمان انقلب على تقاليد الاسرة وقدم للسلطة بانقلاب أبيض، ويتقرب كل يوم لإسرائيل كما يقول بعظمة لسانه لأجل تأمين حماية أمريكية له. هذا كلامه وليس نسجاً من خيال.

اليوم نحن نقف على عتبة تاريخية جديدة ومشرقة في تتويج النضال الفلسطيني في مجابهة ليس المحتل فحسب، بل أعوان المحتل. فمن كان يراهن على الاستخبارات والدعم الإسرائيلي يجد نفسه متعرياً أمام هذا الفشل. إسرائيل تتسلح سنوياً بأحدث المعدات العسكرية التي لا يسمح لأي دولة في المنطقة بحيازتها. حتى أنها رفضت حصول الإمارات على طائرات إف ١٦ وهي أول حليف في صفعة القرن.

اليوم عزيزي القارئ نقول أن الرهان على أصحاب الحق والأرض المتجردين من أي دعم دولي هو أول طرق التحرر من الاحتلال والتحرر من الاستبداد. إنها قضية عادلة تحتاج إلى الثقة بالذات وبالقضية وأن لا غالب إلا الله. لقد تساوى الموت والحياة لدى أصحاب هذه القضية وأي قضية عادلة فالساميون من حملتها يرون أن التضحية أساس المصداقية في هذا المسار.