مقالات

التضامن ضد الاحتلال هو تضامن مع الحرية والكرامة

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2023-12-16

في لحظة تاريخية ندرك أن الصمت هو تواطء في الجريمة وانهزام نفسي أمام الوحشية والدموية التي لا مثيل لها. فلسطين، لم تكن يوم في حياة أحرار العالم مجرد قضية عابرة، هي الألم الذي لا يزول، حتى لو زال الاحتلال. فذاكرتنا الشعبية مشحونة بالعديد من الصور والمواقف التي عايشنها جيلاً بعد جيل عن ظلم يصعب وصفه على شعب أعزل.

هذا صوت ملايين المتضامنين مع القضية الفلسطينية. ٧ أكتوبر لم يكن مفاجئ ولا يزال يراه الأسوياء من البشر أنه طبيعي في سياق القمع والتنكيل والقتل المنهجي الذي يعشيه الفلسطيني منذ ٧٥ سنة. المؤلم ما بعد ٧ أكتوبر هو اتضاح الصورة أكثر من أي وقت مضي عن نموذج النظام العالمي والتحيزات العنصرية ضد الجنوب العالمي. الحكومات البيضاء الإمبريالية وعلى رأسها بايدن هم مجرمين وشركاء في الجريمة والأنظمة العربية المطبعة مع المحتل هي أيضا مدانة. في حين أن شعوب العالم هي متضامنة مع الفلسطينيين ضد الاحتلال الأخير. المؤلم أننا كأكثرية عالمية متضامنة قليلة التأثير في تغير سياسات دول تدعم الاحتلال. عدد المظاهرات التي خرجت في أمريكا للتضامن مع الفلسطينيين منذ ٧ أكتوبر يتجاوز على أقل تقدير هي لا تقل عن ٢٠٠ مظاهرة، أكبرها هي مظاهرة ميدان الحرية إلى البيت الأبيض بلغ عدد الحضور على أقل تقدير ٣٠٠ ألف.

من يحمي الشعوب؟ من يحمي المظلومين والمستضعفين في هذه الأرض؟ من يسمع أصوات المطالبين بالعدالة؟ هل كل هذه الاحتجاجات المرافقة للمذبحة التي تحدث غزة لم تغير وتأثر في صناعة القرار السياسي في أي دولة غربية أو عربية. على العكس تم إدانة الجماهير المحتجة على المذبحة، بل وسحقها في عدد من المدن والعواصم الأوربية. هل المحتل الإسرائيلي محمي من الإدانة؟ ومغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ أم أن النظام العالمي والجيوسياسي منحاز بشكل أولي ضد الجنوب العالمي وضد مطامح الشعوب أين كانت في مشرق الأرض أم في غربها. يبدوا أن النظام العالمي بقيادة الزعماء البيض التجار مصممون على حماية مصالحهم المادية البحته والسعي الدؤوب لتعزيز تواجد مصالح الرجل الأبيض المادي في بطن وأرض الجنوب. 

ربما هذه الأزمة والإبادة أقامت الحجة والدليل على أن الأنظمة السياسية والنظام العالمي معزولة عن تطلعات الشعوب في الكرامة والحرية وإنهاء الظلم على فلسطين. في أمريكا، من أهم الحركات الاجتماعية الصاعدة، هي حركة شبابية يهودية اسمها (Not in our name) ترفض سلوك المحتل. هذه الحركة وغيرها هي مؤشر على أن الأنظمة السياسية في أمريكا والعالم الذي يسمي نفسه العالم الأول معزولة عن تطلعات الشعوب. في يوم ٢٨ نوفمبر، صرح بايدن أن من حق إسرائيل الاستمرار في الحرب لكن بالالتزام بقواعد الحرب. هذا التصريح ليس بمستغرب عليه. ولن أطيل في سرد تصاريح السادية التي تدعم المحتل في الاستمرار في جرائمه ضد الفلسطينيين، لأنها بحق لا تعد ولا تحصى، وأصبح من الممكن التنبؤ بها وعدم المفاجأة.

هناك أزمة في النظام العالمي، عمر هذه الأزمة أكثر من ١٥٠ عام وربما أكثر، فالتسلط الغربي منهجي على الجنوب العالمي. تشير بعض الدراسات التاريخية كيف أجهض الإنجليزي تجربة محمد علي باشا التنويرية، وفي عهد أبنائه تم جعل مصر دولة مستهلكة للمنسوجات الإنجليزية التي تأتي موادها الأولية من مزارع القطن في مصر. هذه القصة تتكر في كل فترة في العالم الجنوبي. هناك رغبة بإبقاء هذه المنطقة تابعه مستهلكة لا منتجة. وهو ما يبعث على الاكتئاب، وكأن النظام العالمي مصمم تجاهل كل التطلعات والأمالي والأحلام بل وسحقها. لكن كل هذه المأسي وإعاقة استقلال العالم العربي عن التبعية الغربية وفك الوصاية الغربية في كفه والاحتلال الجائر والتطهير العرقي في كفه أخرى.

على صعيد العالم العربي، بكل أسف أن الأنظمة العربية التالية (السعودية، مصر، الإمارات، الأردن) هي متورطة في الحرب على غزة. وأخص في هذا المقال ما يعني وهو حكومة السعودية بقيادة المجرم السفاح محمد بن سلمان. نحن لسنا أغبياء والجمهور المتابع يعرف أن أكبر عقبة تواجهه حرية الشعوب في تحصيل كرامتهم وحرياتهم هي الأنظمة المحلية. ففي عهد محمد بن سلمان تم تقيد كل شيء، حتى الحرية والكرامة والمساحة الفائضة للتعبير عن الرأي تم تحجيمها. لقد أطلق محمد بن سلمان اليات القمع منذ ٢٠١٧، وحول البلد إلى سجن لكل من ينتقد سياساته أو سياسات حكومته. لقد تحول البلد إلى عزبه شخصية. لقد صرح محمد بن سلمان لصحيفة الو لستريت الأسبوع الماضي، أن شرطه للمشاركة في إعمار غزة، هو سحق حماس. وهذا غير مفاجئ لمن يعرف الشأن المحلي. 

هناك رابطة مشتركة بين قادة الاحتلال وقادة الدكتاتوريات العربية والزعماء الغربين من الصهاينة، وهي أمن الاحتلال وقمع الشعوب التي تغير المعادلات السياسية والاقتصادية لها. وهذا ما يفسر إصرار الأنظمة التسلطية العربية في التفكير في ما بعد حماس، وكأن قرار فلسطين بديهم، نفس منطق المحتل الذي يهجم على أراضي أهل فلسطين ويقرر ما هو مصيرهم ومستقبلهم. نحن أمام تشابه وتماثل وتطابق نادراً ما يكون بهذا الوضوح والصراحة. فهذه الأنظمة الدكتاتورية هي مهمة للمحتل الإسرائيلي، لأنها السياج الذي يحمي هذا الكيان. إضافة أن هذه الأنظمة تبقى المحتل على قيد الحياة عبر فتح نوافذ تجارية وسياسية تخرجه من العزلة الجغرافية، وتسوق له بالقوة عبر التطبيع الإجباري على شعوب المنطقة العربية.

المحتل إلى زوال، فقادة الاحتلال يعلمون أنهم ككيان منبوذ في المنطقة ولن يسهل عليهم الاندماج أو حتى الشعور بالأمان، كالمجرم الذي يسرق ويقتل فهو نزعت من الطمئنية لهذا يكثر من الاحتياطات التي تزيده جنوناً وعربدة. الحرية لأهل فلسطين، الشكر والعرفان لكل أحرار العالم الصامدين في فضح انتهاكات المحتل وملاحقته هو ومن خلفه من الشركات الداعمة له. الحرية لكل أصحاب الحسابات التي لم تتوقف في دعم حق إنهاء الاحتلال الأخير وملاحقة المجرمين. أخيراً، رحم الله كل الشهداء وضحايا الاحتلال وربط على قلوب ذويهم وفرج عنهم كربتهم.