هي القِبلة الأولى والقضية الأولى لن تخلى عنها أبدًا. وهذه ليست مقدمة بل هي خلاصة الموقف الذي لن نحيد عنه أبدًا.
فلسطين هي جزء لا يتجزأ من أراضينا، ولا يمكن في يوم من الأيام أن ننسى هذا الانتماء. هي امتداد لثقافتنا، وأمتنا، ودمائنا العربية. كذلك ولدنا، وكبرنا وسنبقى على هذا العهد ما حيينا. ولن نغيّر من قناعاتنا قيد أنملة إلى أن نفنى، بل وسنورث هذا المعتقد لأبنائنا وأحفادنا. وهذه هي المقدمة التي سنعيدها كل يوم رغما عن الصهاينة ومن اتخذهم أخلاء ضد أهلينا وأحبتنا في الأراضي الفلسطينية.
لوحظ مؤخرًا من قيادات وحكوماتٍ، للأسف، أنها تحكم أرضًا عربية وإسلامية بأنها تقوم بتمييع القضية الأولى، بل والبعض طبعوا مع العدو المجرم المحتل علنًا. وهذا الانقياد الحكومي من خونة البلدان إنما هو لغرض التمسك الواهي بالكراسي، فهم يظنون أن بالتطبيع مع صهاينة العالم ستتثبت أنظمتهم. ومع أنهم لم يزدادوا إلا هونًا، في أعين العدو قبل أعين المسلمين. والأجندات الصهيونية قادها عيانًا بيانًا حاكمُ الإمارات المتصالحة، المدعو محمد بن زايد، ظنًا أنه بهذا الفعل سيستطيع أن يمد نفوذه إلى العمق الإسلامي في بلاد الحرمين.
وقد يكون في أجندة ابن زايد ما هو أبعد، لتسليم جزء من بلادنا إلى الكيان المحتل، أملًا في إعطائه نفوذًا أكبر. ولم يكن ليتسنى له ذلك لو لا تواجد الصغير ابن سلمان في سدة النظام السعودي، فقد استخدمه ابنُ زايد لتنفيذ أجندته حتى أصبح هذا الصبي سامعًا مطيعًا لابن زايد لأنه يعلم أنه لولا مساعدة الإمارات لم يكن ليصل إلى سيدهم الأكبر في البيت الأبيض. ومقابل هذا التوجيه الدولي، تنازل ابن سلمان عما تبقى من الحياء، فأضحى الكيان المحتل دولة إسرائيل، وأصبح الفلسطينيون خونة أراضيهم. وهذا الخنوع الظاهر للجميع إنما – من وجهة نظر ابن سلمان – هو عربون الحصول على الرضا الدولي حتى يحقق حلمه بالحكم. ولكن هيهات، فالمواطن يراه ذلًّا كتبه الله على جبين ابن سلمان، فلم يعد له أو لزمرته أي قبول لدى المجتمع، وأصبح الرفض الشعبي في الداخل على صبيانيات ابن سلمان أمرًا متداولًا وقضية محسومة بين الجميع.
في هذه الأيام اتضحت خيانة ابن سلمان لقضية فلسطين، فوجدنا خطابًا لوزارة الخارجية يصف الكيان المحتل بدولة إسرائيل، في خطاب ذليل هيّن لم يسبقه هوان منذ أن ابتلينا بهذه الأنظمة، يعكس ضعف الحاكم وخضوعه، في وقت يدنس المحتل مقدساتنا، فلم يجرؤ أصغر مسؤول في النظام على إخراج خطاب شجب متهالك ضد الصهاينة. وهذا – كما يعلم الجميع – أنه بتوجيه قمعي ضد إرادة الشعوب، فالسواد الأعظم من المواطنين يؤمنون يقينًا بقدسية الأراضي الفلسطينية، ويؤمنون بأحقية الفلسطينيين بأرضهم، وكذلك يعلمون بأن من يميع القضية هو الخائن الأكبر، وأنا أعني هنا ابن سلمان وسيده ابن زايد.
ومع كل هذه الخيانات يسطر الفلسطينيون أجمل معاني المقاومة بالمال والنفس، ويذودون بأرواحهم عن مقدساتنا، ويقدم الشرفاء من أبناء وطني، الدعم والمؤازرة، ضاربين بالتوجه الحكومي عرض الحائط، فقد بلغ السيل الزبى، وأصبح الوجه القبيح للنظام السعودي ظاهرًا علنًا. فلم يعد لهذا النظام مصداقية لدى عامة الناس، إذ عمّ الوعي وانكشفت الغشاوة من على أعين الشعب. ففي حين يقوم إمام المسجد الحرام بشيطنة الآراء الفردية في تويتر، لم نجد من أئمة الحرم المكي في هذه الأيام الفضيلة أي ردة فعل تجاه هذا الأمر الجلل في القدس. وفي المقابل يلهج المواطنون بالدعاء سرًّا وعلانيةً، كردة فعل لهذا النظام، فليس للنظام سلطة على قلوبنا، فتلك قضيتنا ونحن أهلها، ولن يعنينا رأي الحكومات المتصهينة، التي نعلم بأنها لا تهتم إلا بمصيرها وحدها، وليس لهذه الشعوب – مع الأسف – أي تواجدٍ ضمن أجنداتها.
ختامًا، يعلم الفلسطينيون بأننا نحبهم، حبًّا للدين الذي يجمعنا، وحبًّا للغة التي توصلنا ببعضنا، وحبًّا لدمّنا الواحد، وحبا لإنسانيتنا. ونعلم نحن كذلك بأنهم يبادلوننا ذات المودة. وهذا الوصل الظاهر الخفي، لن تستطيع الحكومات المتصهينة من قطعه مهما حاولت وبغت بيننا. وهي رسالة شعبية، نجتمع عليها طواعية ضد الأنظمة المتصهينة وسنحشد أرواحنا حتى يظهر الحق ويزهق الباطل. وهنا رسالةٌ إلى ابن زايد وصبيّه ابن سلمان: نعلم أنكم خونة، وتعلمون أننا نعلم، وإذا ظننتم أن الصهاينة سيحمونكم فأنتم مخطئون وستعلمون يوما أن للشعوب وقفة، بها سيُطهّر دنسكم ويُمَجّ هوانكم وهوان من أعانكم. فهذه القبلة الأولى والقضية الأولى. تلكم الخلاصة التي نبدأ بها ونختم، ولن نحيد عنها أبدًا. والخبر ما سترى لا ما تقرأ.