أخبار

تحريض أم وطنية.. لماذا أدان أعضاء حزب التجمع الوشاية بمنصة ثمانية؟

تاريخ النشر:2024-01-16

 

تنديدا بالهجوم الواسع الذي شنه مغردون على موقع إكس، على منصة "ثمانية" السعودية المنتجة للأفلام الوثائقية والبودكاست، عقب إعلانها إطلاق تطبيق ثمانية، وتدشينهم وسم يطالب بالقبض على مقدم أحد برامجها حاتم النجار، بسبب تدوينات سابقة له، استنكر العضو المؤسس لحزب التجمع الوطني يحيى عسيري، حملة التحريض على المنصة والعاملين فيها.

وفي تغريدة على حسابه بمنصة إكس، افتتحها بعبارة "توقفوا عن التحريض"، أكد أن حملة التحريض على بودكاست ثمانية يوضح تردي كبير في أخلاق القطيع، قائلا إن "هذا السلوك يصعب علاجه وتصحيحه، وآثاره كارثية على الكل! بعض المحرضين كان معنا ثم انقلب وأمعن في نفاقه حتى تحول لكائن رخيص يعتاش على نكبة الآخرين!"، وتساءل: "ألا يطري بباله أن غيره سيفعل به مثل ما فعل بغيره؟".

المغردون برروا دوافعهم لمطالبة السلطات السعودية بالقبض مقدم بودكاست ثامنية حاتم النجار، بأنه أساء للسعوديين في تغريدات سابقة استحضروها وأعادوا نشرها مرة أخرى، منها تغريدة دونها في ديسمبر/كانون الأول 2014، قال فيها "تتزوج سعودية؟.. بتزوج أربع سعوديات عشان أحسن لكم النسل". 

وأشاروا أيضا إلى تغريدة سابقة للنجار تساءل فيها "النور المسطر مين سطره؟ وليش شسوا؟، وعدوها إساءة لليوم الوطني السعودي، لافتين إلى تغريدة أخرى كتبها في مارس/آذار 2016، قال فيها إن الإرهابي السعودي المسلم أقرب للإرهابي الأمريكي المسيحي، وبينهم روابط وعلاقات أقوى من التي بينك وبينه، سواء لبس عمامة أو بدلة سوداء فخمة".

وهاجم مغرد يدعى بدر المطيري، العضو المؤسس للتجمع لدعوته التوقف عن التحريض، قائلا له: "ما كتبت هالكلام إلا لأنك تحترق من الداخل وأنت ترا المواطن السعودي يغار على وطنه ويدافع بكل ما أوتي من قوة، وهذا أقل شيء نقدمه لوطننا الغالي، ثاني شي ثمانية من المنصات الجميلة اللي عندهم برامج ثرية وأبدا مو غلط أن يعتذروا عن أخطائهم".

وأرفق مع هجومه صورة من تغريدة اعتذار فيها حاتم النجار عن التغريدات السابقة لها التي استحضرها له المغردون، مؤكدا أنه شعر بندم شديد من طيشه واندفاعه حين كان مراهقا لم يتجاوز عمره حينها 18 عامًا، وأعترف أن تصوراته عن الحياة وقتها كانت قاصرة، وكان أقل نضجًا من اليوم، وقال: "أعتذر لهذا الوطن وقيادته وشعبه، أعتذر لكل مَن أحسن بي الظن، وخذله ما كتبت، أعتذر لكل غيور محب لوطنه". 

ورد عسيري على المطيري قائلا: "كتبت ما كتبت لأني أخاف عليكم، لأنني لا أريد أن استقبل مكالمة من أمك وهي تبكي على فراقك، أو تشرح لي سبل تعذيبك لا سمح الله، لأنني تعبت وأنا استمع لبكاء أهاليكم وشكاويهم وأحاول معهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتعبت وأنا أسعى للتخفيف من تغول السلطات وبطشها، ومن جهل المحرض وحقده على غيره".

تغريدة المطيري أعادت للأذهان مصطلح "الوطن خط أحمر" الذي تتغني به السلطة السعودية بداية من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مرورا بوزراء الخارجية الذين توالوا منذ وصوله إلى ولاية العهد، واستخدام تلك العبارة التي تبدوا في مجملها "وطنية" ولكنها ذريعة لانتهاك حقوق الإنسان والزج بأصحاب الرأي والكلمة في السجون، وخلق الفرقة والشقاق والتشرذم.

ويجابه عسيري وكافة أعضاء حزب التجمع كل حملات التحريض التي تشن ضد المخالفين وأصحاب الرأي والثقافات الأخرى، ويستنكرون المساهمة فيها، ويعارضون الإقصاء والكراهية ويرفضون تسويغ الظلم وتبرير التشبيح والتلويح الدائم بالاعتقال والقمع ويرون التحريض ومشتقاته ودعوى السلطة للقمع "أمراض اجتماعية" تفتت المجتمع وتمزقه.

وفي حديثه مع "صوت الناس" أكد العضو المؤسس لحزب التجمع، أن التحريض على اعتقال الآخرين ليس حبا في الوطن وإنما حبا في المصلحة الذاتية، وكراهية للوطن وأهله، خاصة عندما نعلم أن الوطن هم الشعب وهم أول مفوض في هذا الوطن فإن التحريض عليهم وإثارة الكراهية فيما بينهم يعطي مفهوم مغاير للوطنية.

وقال إن التحريض يدل على أن المحرضين يغدرون بالوطن ويخونوه، وينسجمون مع من يسرق الوطن ويغدر به من القيادة الفاسدة والمستبدة التي تفعل ذلك، ومن يقف معها هو خائن للوطن وعميل لسارقه وخائنه، موضحا أن من آثار التحريض هو ما نراه من قمع واعتقال وسجن وخوف وتقييد الإنسان عن التعبير بنصف كلمة.

وبين عسيري، أن من أثار التحريض أيضا عدم قدرة الإنسان على الغضب لأن لديه سلطة سفيهة وجهة قمعية متسلطة، وعندما يغضب أحد من أحد يضربه بيد السلطة والتحريض عليه والبحث له عن شيء ليضعه بالسجن، واصفا السلطة بأنها "كالسفيه المتمكن أو كالمجنون الصفيق الذي يملك الأسلحة العدة والعتاد عندما تحرضه على أحد يبطش به".

وأعرب عن أسفه عن ذلك مزري للغاية على المدى القريب، مضيفا أن التحريض على المدى البعيد يدمر الأخلاق المفترض أن تبنى على التآخي والتآزر والتعاون والمحبة وغيرها من القيم التي يرسخها الإسلام وثقافتنا العربية، وكانت موجودة بين الأجداد وإرث كبير مما ورثناه من سابقينا.

وأشار عسيري، إلى أن ذلك الإرث من الأخلاق يدمر الآن ليحل محله الكراهية، والتفرقة والعنصرية والشتات، ويترك المجال لكل إنسان يشتم ويهاجم الآخر، وبدلا من أن يسعى لمصلحته وللمصلحة المشتركة ولمصلحة الوطن، الكل يحاول الإضرار بالآخر ويحتفلون ويفرحون بالإضرار بالآخرين.

وحذر من خطورة هذا التغير السلوكي لأن من الصعب تغيير السلوك لدى الإنسان، بينما الإفساد أسهل بكثير من الإصلاح، موضحا أن الدفاع عن الوطن يكون إذا مس بأذى كأن يمس بفساد مالي أو إداري من السلطة أو من موظف أو أيا كان وإذا انتهكت كرامته سواء كانت على يد أجنبي أو محتل غازي أو دولة إمبريالية متسلطة تتحكم في أسعار النفط وقرارات البلاد.

وقال عسيري، إن الدفاع عن الوطن يكون برفض التطبيل لدولة محتلة والتقارب معها رغم كل ما تبثه علينا من أحقاد، ويكون برفض إساءة أي قيادة أجنبية كما كان يفعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي قال إنه يريد أخذ أموالنا، ثم كانت العمالة له على مرأى ومسمع العالم.

وأكد أن إبلاغ مؤسسات الدولة عن مس حقوق الشعب أو سيادة البلاد أو مصالح الوطن لا يعتبر تحريضا إذا تحققت وتوفرت بعض الشروط، أولها أن يكون النظام القضائي عادلا فلا يظلم فيه أحد، وأن يكون الإبلاغ على عمل ينتهك من سيادة الوطن أو يلحق ضررا به كالفساد المالي والإداري أو التعدي على ممتلكات الناس وحقوقهم، وأن يكون القضاء مستقلا استقلالا كاملا وغير مسيرا بيد أحد".

وعن مفهوم الوطن بالأساس، قال عسيري، إن الوطن هو حزمة متكاملة من عدة أمور أهم ما فيها هو المواطن نفسه "الإنسان" وحقوقه والأرض التي يعيش عليها الإنسان، وهو قطعة الأرض بحدودها الجغرافية المعروفة بمصالحها وأنظمتها ودستورها وقوانينها ومؤسساتها كالجيش والقضاء والبرلمان والمؤسسات الصحية والتعليمية.

وأرجع سبب تحور معنى الوطن إلى أن النظام الاستبدادي لا يريد للناس أن يرتبطوا بالأرض ولا المؤسسات غير الموجودة أصلا ولا بالمواطن المنتهكة حقوقه ولا الأرض المدمرة والمسلوب خيراتها والمستشري بها الفساد المالي والإداري، وأراد فقط أن يتعلقوا بإرادة البلد وبدلا أن تكون قيادة البلاد خادمة للشعب والوطن أصبحت مستخدمة للشعب والوطن.

وأشار عسيري، إلى أن هذا ما كانت عليه الكثير من الممالك في العصور الوسطى التي تعتبر الأرض وما عليها ملكية خاصة لمن يحكم، وهذا الموجود في الذهنية السعودية لدى بعض الناس، إذ يرون أن الحاكم هو المالك وحده لا شريك له المتصرف بأمره ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، مؤكدا أن هذه الذهنية لاتزال موجودة وتقبلها السلطات وترسخها وتنكرها في الخارج.

وأوضح أن السلطات السعودية تقول في الخارج إن الناس يختارون القيادة ويؤيدوها ويقبلون بها، وفي الداخل تقول للمواطنين إنكم مملوكين وإن بن سعود يملك من الخليج إلى البحر، ومن الشام إلى اليمن، وأن الأرض وما عليها محميات وملكيات خاصة، وهذا ما يردده بعض الشبيحة، في عبودية تامة وعودة سحيقة إلى عصور الظلام عندما كان الإقطاعيون يملكون مزارعهم.

وقال الأمين العام لحزب التجمع الدكتور عبدالله العودة، إن حملات التحريض هي عملية ممنهجة لإذكاء النزعات المريضة والتفسير الطغياني لمفهوم "الوطنية" الذي يبني معنى الوطن على التحريض والاستعداء وبث نزعات الفرقة والبغضاء بين المجموعات المختلفة.

وأكد في حديثه مع "صوت الناس" أن التيار الوطنجي المتطرف الذي يتبنى التحريض لا يريد بناء وطن يعني مركزية المواطن وحقوقه وحرياته، لكنه يريد وطن يعني الطاغية وحاشيته وأزلامه.

وإعرابا عن الاستياء من تفشي ظاهرة التحريض في السعودية، قال عضو الحزب ناصر العربي: "اليوم نعيش فترة هي أشبه بالعهد النازي في ألمانيا، والفترة المكارثية في أمريكا، حيث يستطيع أي شخص أن يلحق الضرر بأخر لمجرد وصمه أنه قال كذا وكذا"، مضيفا أن هذا المشهد البائس يثبت أن الدولة فاشلة وتخضع للمزاج الشعبوي القمعي لأنه ببساطة أحد مخرجاتها.