القضاء له من الاحترام والمهابة، بقدر مواقفه أمام الضعفاء، وبهذا المفهوم يكون استقلال القضاء، علامة على تمتع الإنسان بحقوقه.
وبذلك يبدو الترابط بين نظرية حقوق الإنسان ونظرية استقلال القضاء، بصفتهما جزأين في تركيب بنيوي، فالقضاء هو ضامن حقوق الإنسان، وإذا لم تكن حقوق الإنسان مدونة معلومة، ولم يكن الأساس القانوني لكل مسألة قضائية محددًا معلومًا، فحدّث عن الجور والظلم ولا حرج.
المملكة العربية السعودية تعلن في أنظمتها، استقلال القضاء، ولكن هل يكون استقلال القضاء مجرد إعلان عن ديباجة مرسوم أو قرار؟ وهل يمكن أن ينهض مفهوم استقلال القضاء دون ضمانات إجرائية تجسد استقلال القضاء وتسد أبواب تدخلات الحكومة؟
لا يمكن استقلال القضاء، من دون دستور ينشأ عبر استفتاء شعبي، ويكون في مجلس لأهل الرأي والحل والعقد منتخبًا من جميع الناس نساءً ورجالًا، لضمان إصدار أنظمة لا تخالف العدل وتحري مصالح العامة، ولتنظر في مدى مشروعية ما تتبناه السلطة التنفيذية من قوانين وأنظمة، من حيث استجابة الأنظمة لمصالح الناس.
إن نظرية إفراز التفكير الاستبدادي، الذي يجسد في اختلال منظومة الحقوق، بتضخيم حقوق (الأمير) وتقزيم حقوق (المواطن)، ذلك ينطوي على إخلال صريح، بمفهوم الحكم الشوري، لأنه يخل بمبدأ (التعاقد الاجتماعي) الذي يحدد علاقات المجتمع أفرادًا وجماعات بالدولة.
وقد نبرهن على أن سر الفساد، هو هيمنة الحاكم، فحين هيمن تخلخلت مقطورة القيادة؛ شورى المجتمع المدني، واختلت نظرية الحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية والمدنية والاقتصادية، فجسد القضاء هذا الاختلال.
إن سبب ما يعانيه الشعب من تخلف وظلم وانقضاض على حقوقه والتعدي عليه، يرجع أساسه إلى تعدي السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والنيابية، ولا يتقدم أي شعب حتى يشعر الحاكم والمجتمع معًا، بأن العدالة ليست عطاء ولا هبة من الحكام. بل هي حق تعاقدي.
ومن أجل ذلك جاء مصطلح “استقلال القضاء” عن السلطتين التنفيذية والنيابية، لكي لا تتفرد السلطة التنفيذية فتفرط بحقوق الناس أو تنتهكها لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.