مقالات

غزة وأربعة أشهر الجحود والنكران العربي

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2024-03-10


يعلم الجميع أن إجرام الصهاينة فاق كل التوقعات، لم يكن حتى أكثر الناس اشمئزازاً من جرائم المحتل يتوقع أن نصل إلى هذا القاع. حيث يتسمم بدن وروح وعقل الإنسان مما يحدث في غزة. حقيقة أن كل أحاديث النكبة والتطهير العرقي التي قرأناها في الكتب وأبصرناها في الوثائقيات في كفة وما يحدث في غزة في كفة اخرى. ربما أن قُدرة الإنسان تخطت مرحلة الإحساس بالألم إلى التفكير فيما خلف هذه العبثية، كيف يصل الإنسان إلى هذا الانحطاط في الاستمتاع بقتل الأبرياء من المدنيين؟ لقد تجاوز عدد الضحايا أكثر من 30 ألف شهيد، ولقد تجلت العبثية في أوج صورها في مجزرة الطحين الأخيرة عن أن الصهاينة لديهم قدرة على النزول إلى قاع مظلم من البؤس والهمجية. هذا البؤس تستعصي النفس السوية على مجرد التفكير تخيل حدوثه. ما نشاهده منذ أربعه أشهر هو يعُجز المتابع عن النطق وعن تفسير ما يحدث من بربرية لم يعرفها البشر في تاريخهم القريب والبعيد. بحق أن معظم جرائم الإبادة التي حدثت تاريخياً كانت تحدث بعد عيون العالم. اليوم المحتل ينقل بنفسه جرائمه ويكذب في وصف ما يحدث، ويستمر في صناعة جرائم جديدة بأساليب جديدة أكثر وحشيه. و يعلم الجميع أن المحتل ملطخة يديه بالدماء ولا غرابة لدى العالم في سلوكه.

أما الحدث الأكثر فظاعة هو ردة فعل الأنظمة العربية، مصر، السعودية، الأردن. هذه الأنظمة الثلاثة مرتبطة بالملف الفلسطيني، وإن كانت السعودية ليست طرفاً في أي معاهدات تاريخية "معلنة" مع المحتل، مثل كامب ديفيد. لكن يبدو أن السعودية ومصر والإمارات تقود مشروع قاطرة مشروع جديد في المنطقة يراد منه تمكين المحتل من التغلغل أكثر وبعلانيه في السوق العربية. إن هذه الأنظمة الثلاثة هي تعلم أنها على علاقة وثيقة بالمحتل وهي متوافقة مع أهدافه في الحرب. حتى أن هناك تسريبات وأحاديث علنية تقول هذا. ليس سراً، حتى بايدن المجرم قال أن مصر ترفض فتح الحدود.
كل هذا الخذلان والنكران هي نتيجة لطبيعة الدولة المستبدة العربية. دولة تديرها عصابة مارقة، تفكر في مصالحها فقط، لا ضمير يحركها ولو بالكذب في الاصطفاف مع هموم الشارع العربي. السيسي حتى في أحلك الظروف الاقتصادية لمصر، استطاع أن يبني سياجاً خرسانياً في أقل من 3 أيام بعد نزوح المنكوبين إلى جنوب رفح من مناطق غزة الشمالية.

الكارثة الأهم في كل هذا البؤس، أن الأنظمة العربية ترى أن سلوكها طبيعياً في التعامل مع الاحداث المفزعة التي جعلت أحرار العالم يتحركون ليس فقط لإدانة المحتل، بل السعي لمحاكمته. الأنظمة العربية، في الوقت الذي يزداد الخناق عليها عالمياً، هي تفتح لها رئة جديدة لتنفس اقتصادياً عبر فتح خطوط إمداد غذائي وتمويني وبدون أدنى حياء، تسير الشاحنات من الامارات مررواً بالسعودية إلى الأردن. هذا البؤس، يقابله حاله من القمع الذي يلاحق كل من يتحدث عن ضرورة التحرك في مساعدة أهالي غزة في إيقاف المجازر التي تحدث. نحن بكل وضوح أمام عصابة حاكمة مستعدة أن تجند كافة قواها في ملاحقة أي صوت يتضامن مع القضية الفلسطينية ويتحدث بصوت عالي في ضرورة وجود حراك سياسي بالضغط على المحتل وقطع العلاقة معه في سبيل حقن دماء الفلسطينيين، لكن لا شيء يحدث.
كل هذا البؤس، يجعل الانسان العربي، يعلم يقيناً أن المعضلة الأساسية التي نواجهها هي وجود أنظمة حاكمة مستبدة، هذه الأنظمة معطلة للكرامة، والحرية، ولا علاقة لها بتطلعات الانسان العربي، فضلاً عن فشلها في كافة الملفات التنموية. اليوم وبعد أكثر من 10 سنوات من الربيع العربي، واليوم وبعد إبادة مستمرة لم تتوقف منذ أربعة أشهر، لم تتحرك الحكومات العربية المستبدة لفعل أي شيء حقيقي لوقف هذا العدوان، بل على العكس، هي متفقة مع المحتل في تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على حركات المقاومة للاحتلال. أما البيانات التي تصدرها وزارة الخارجية فهي ليست لها قيمة ولا تعكس الموقف الحقيقي للإدارة السياسية للأنظمة العربية.
أثر الاستبداد يتجاوز حدود الدولة، بل يتخطها وإلى دول ومجتمعات هي تكتوي وتتعذب بسبب طبيعة هذه الأنظمة التي تفعل ما يحلوا لها على أرضها التي لها سيادة، وأيضا هذه الشعوب لا تستطيع إيقاف همجية الاستبداد العابر للحدود، كما هو الحال مع المواطنين في داخل هذه الدولة. وأجل مثالين على هذا، الحكومة السعودية ودعمها لانقلاب العسكر ومباركته وحمايته ودعمه في مصر عام 2013 والثاني الحكومة الإمارتية في السودان وكيف دعمت الانشقاق السياسي وأشعلت حرب بين أقطاب الحكم في الوقت الذي يكتوي الشعب بسبب هذه التدخلات من أنظمة مستبدة.
لهذا نقول في الختام، أن ما يحدث في غزة هو بؤس واضح ليس فقط من المحتل، بل من أعوان المحتل من الأنظمة المستبدة المتواطئة معه والمتوافقة معه أيضا في الأهداف والمصالح والمطامع والرغبات في طمس أي معالم للكرامة العربية والحرية.