الكرامة هبة الخالق، والإنسان يولد حرًا كريمًا، هذه حقيقة إنسانية، أقرها الإسلام. لأنها من مكارم وصوالح الأخلاق، كما دل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن أبنًا لعمر العاص ضرب مواطنًا قطبيًا مسيحيًا اعتدادًا بأمارة أبيه. فأستدعى الخليفة الوالي وأبنه وأدبهما على مرأى ومسمع من الناس، وقال لعمرو الكلمة الشهيرة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”.
هذه الفكرة لم تجد في فقهنا السياسي، ومن يبني عليها خطابًا للحرية والشورى الشعبية، ولذلك تمزقت العدالة الاجتماعية، ولم تتمزق العدالة؛ إلا عندما اغتيلت الحرية والكرامة.
ومبدأ العدالة الاجتماعية لا يكون إذا لم يخضع الجميع حكومة وأفراد وجماعات لقانون محدد موحد معلوم، فيتساووا أمام القضاء ويتساووا أمام جميع القوانين. وهذا المعنى في التشريع الاسلامي هو “جوهر العدل” الذي غاب عن الحكام المستبدين.
إن العقيدة الإسلامية توجب على المسلم أن يكون عزيزًا كريمًا، وتوصى الإنسان بالتمرد على كل ذل واستعباد، لأن عبوديته لله، تشده إلى الله فلا يرى عظيمًا غير الله، ولا يرى مخوفًا غير الله، و أي دولة تذل الإنسان، وتعوده على الخضوع والركوع والطاعة العمياء، فقد حرمته شيئًا أغلى من المال والطعام والشراب، إنها الكرامة والعزة “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين (من الحكام) لا يفقهون”.
الناس في الشريعة أحرار مكرمون، وكرامتهم ثابتة بأصل خلقة الإنسانية، مؤمنهم وكافرهم، فالله هو الذي وهبهم الكرامة، وما وهبه الله لا يجوز للدولة انتقاصه، فضلًا عن إلغاءه، لأن الدولة إنما غايتها حفظ الحقوق، لا العدوان عليها، وهذا المبدأ مهم جدًا، لكي لا يقول بعض الفقهاء المخادعين علماء السلاطين: ينبغي الصبر على الحاكم الظالم، تضحية بالعدل من أجل الأمن، فكل أمن يقوم على انتهاك الكرامة، فإنما هو ظلم مبين، وهو من صفات فرعون. “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي اٌلأَرْضِ”.