مقالات

ثقافة التسلط (جزء 2)

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2021-07-03

في مجتمعنا التسلطي، الذي تمكنت أجهزة الاستبداد من تحويل المواطنين الأخوة في الوطن والشركاء فيه إلى جواسيس ومباحث يوشي بعضهم ببعض، ويتسلط بعضهم على بعض عند أقرب فرصة. فالموظف يخاف ويخشى مديره، في حين أن المدير يتحول خلف مكتبه إلى عسكري مستبد، يشبع تلك الرغبات الدفينة التي غرسها الاستبداد في ممارسة سلطة التي ربما تنحصر في أخذ الحضور والغياب إلى عمل يحب أن يظهر له الموظفين أنه مهم وأنه سيدهم ويظهرون له الخضوع والطاعة وثقافة “أبشر طال عمرك” و”على راسي يا سيدي” و “أنا فداك”، وغيرها من أشكال النفاق الاجتماعي الذي هو شكل من أشكال التسلط.

في المدرسة والجامعة، يتعلم الطالب كذلك هذه الأساليب، فبعض المعلمين لديهم هذه النزعة في أن يتحول إلى وزير داخلية ومستبد له كافة الصلاحيات في ممارسة استبداده على طلابه. والطالب يتخيل مع الوقت أن هذا هو السلوك السليم حتى وإن لم يكن يحبه. فهو يرى أباه في البيت لديه هذه النزعة المستبدة في العقاب وغياب لغة الحوار، والاحترام، والحقوق، والمسؤولية. 

هناك فرق بين الاحترام والخضوع، فرق بين الحقوق والطاعة، فرق بين أن تكون مواطناً لك حقوق، وبين أن تكون مواطن مسلوب الإرادة خاضعا لنمط الاستبداد في أن تكون مجرد رقم لا يحسب له حساب. المستبد، يعتمد في استبداده على عمل منطق وعمل منهجي. فالرقابة وغرس الخوف بين المواطنين هو عمل جوهري في أنظمة الاستبداد، فالمناسبة الرياضية كالمباراة مثلاً، تبدأ عبر تسليط المخرج الكاميرا على الملك وولي عهد، والمعلق لا يبقي كلمة ثناء وعبودية إلا وقالها في خلال هذه اللقطة التي لا تتجاوز دقيقة. ومع هذا تجد صور الحاكم المستبد شاخصة في وسط المدرجات حاضرة في كل لقطة. في الشارع تسير بسيارتك صباح مساء، تجد صور الحاكم الطاغية عن يمينك وشمالك أينما ذهبت تقول لك أنا هنا، أنا أراك واراقبك في كل حين، في حين أن عقلك يخاف أن يستطرد في نقده لهذه الصور الكاتمة على وجدانه.

في كافة مناحي الحياة الواقعية والافتراضية فى الانترنت تجد صور هؤلاء المستبدين أمام عينك. لقد كتبت أستاذة العلوم السياسية ليزا وادين قبل عقدين من الزمان كتابها ذائع الصيت “السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب، والرموز في سورية المعاصرة” عن كيف استطاع حافظ الأسد أن يحكم سيطرته على سوريا الواسعة. وجدت أن القمع سبب جوهري، لكن لم يكن كافياً لإحكام السيطرة، لهذا تقول إن الصورة الرمزية لحافظ الأسد التي صنعتها أجهزة الاستبداد تأكد على إظهاره بالحكيم والقائد والملهم و البار بأمه ومنقذ السوريين من أزماتهم السياسية والاقتصادية في الصحف والمجلات والمحافل الفنية والرياضية كانت هي عبارة عن عمل منهجي وليس عبثي أو محض صدفة.

في واقعنا المحلي، محمد بن سلمان لم يبق جدار في أرض الوطن إلى وألصق عليه صورته، ولم يبق حساب في تويتر لشخصية مشهورة إلّا وجعل جزء من حسابه يسبح ويحمد باسم محمد بن سلمان ليل نهار. ولم يبق شاعر إلا وقد كتب قصيدة ثناء في هذا الأمير المعجزة. ولم يبق مغني ومغنية إلّا ونشف أسماعنا بأغاني عن هذا الغلام الفلتة. أما على منابر المساجد، فلا أحدكم عن ماذا يقول السديس إمام الحرم المكي من على منبره عن هذه القائد الإسلامي الملهم.

أما على برامج التلفاز والإذاعة والصحافة فسوف تجد أن الحديث يسير باتجاه واحد وهو عن عبقرية محمد بن سلمان. هذا لم يحدث لمدة يوم أو شهر ثم توقف، هذا عمل مستمر منذ صعوده إلى السلطة. ثم نسأل كيف أحكم الاستبداد سلوكنا، كيف تحول مجتمعنا الذي يعاني من الاستبداد إلى الاستنجاد بالمستبد عند الأزمات. هذا الخلل والاضطراب في سلوك المجتمع مقصود في بناء مجتمع تشرب الاستبداد وتشبع به، ففي اللحظة التي يذيق هذا المستبد المجتمع ويلات ارتفاع الأسعار في كافة مناحي الحياة، نجد أن هذا المجتمع أو على الأقل شرائح واسعة منه تترجى وتناجي هذا المستبد رفع هذا البلاء الذي هو صانعه.