قضيةُ الإصلاح، وهل يكونُ من القمة أو القاعدة، هي مشكلةٌ أزلية، حارتْ وتحارُ فيها العقول تماما كـ(لغز) أيهما أسبق .. الدجاجة أم البيضة ؟

وبعيدًا عن سفسطة التأريخ لسبقِ البيضة أم الدجاجة، وتوجيه بوصلة الإصلاح نحو القمة أو القاعدة، تعالوا نتفق على أن تقدير الله نافذٌ لا محالة؛ فعلمُ الله يسبقُ إرادة البشر وأفعالَهم، فلا يقع في أرض الله إلا ما أراد سبحانه .

وقد يقع في كون الله ما لا يرتضيه الناسُ أو يرتضيه البعض، ويرفضه آخرون، وهذا - قطعا - لأمور : منها أنه قد يكونُ ابتلاء لتمحيص الناس، وتمييز الخبيث من الطيب، ومنها أنه قد يكون عقابا يُنزله الله على عباده جراء ذنب اقترفوه، ومنها أنه قد يكون رحمة لم تفطن إليها عقولُهم القاصرة، وتفكيرهم المحدود، وأيا كان الاحتمال، فإن الواجب أنه لابد من التعايش مع الواقع قدر المُستطاع، ومحاولة تغييره - إن لم يوافق هوانا - بالسبل الشرعية إن أمكن، بعيدا عن الفوضي، التي لا تُقيم دولة، ولا تبني وطنا !

ولا أشير من طرفٌ خفي خلال هذا المقال إلى مسؤول بعينه، ولكن أقصدُ كلً مسؤول، وكل رئيس مؤسسة، أو مدير هيئة ومصلحة، إذ إن حال الناس معه هو من (يُفرعنُه)، أو يجعله فاروقا قدر طاقته، فيحرص على أن يُقيم ميزان العدل؛ لإيمانه بأن وراءه أناسا، يراقبون ما يصنع مُتطلعين للعدل، ولا يرضون بأنصاف الحلول .

دفعني لكتابة هذا المقال ما رأيته من صراعٍ محموم على مقاعد مجلس إدارة، ومقاعد الجمعية العمومية بالصحف القومية، وهو تنافسٌ محمود لو أتي أُكله، وجاء بمسؤولين يحملون همومَ مؤسساتهم، ويتطلعون لإقالة عثراتها، لا أن يجلسوا بمجرد اختيارهم ونجاحهم متكئين على آرائكهم الوثيرة يقولون : هذا لكم وهذا أهدي إلي، أو يقولون زورا على خلاف الحقيقة : ورثته كابرا عن كابر ، أو أوتيته على علم عندي، وإلا كان بلاء لو تعلمون عظيم !

المنافسة - حماكم الله - مطلوبة، والطموح شيء حميد، لكن لابد من أن تدعمه برامجُ جادة، وأفكارٌ طموحة بعيدة عن الخيال، وإلمامٌ بآليات تنفيذها، والبعدُ عمن يحلمون بتحقيق مجد شخصي على حساب مهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة .

قال عمنا أبو القاسم الشابي المناضل العظيم  رحمه الله : 

إذا الشعبّ يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر .

فبيدك أخي الناخب تصنع مستقبلك،  وتحمي مهنتك، فتجنب أن تأتي بـ( عبده مُشتاق)، الذي لا ينفك يجري وراء مصالحه الشخصية، ويجعل مصالح ناخبيه آخر أهدافه .

ربما يخرج من بين السطور من يقول إنها أحلام وردية لن تجدَ لها مساحة على أرض الواقع  ويأتي الرد .. لو سلمنا بأنها أحلام فمن حقنا أن نحلم، ونسعى لجعل الحلم حقيقة !

ومن أدراك - أيها المُثبط - فقد يصيرُ الحلم واقعاً .. المهم أن نبدأ .. فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، ويجب أن تكون لجموع الصحفيين إرادة حرة، واختيارٌ نزيه بعيد عن المصالح والهوى، ورفض كل من كانت له تجربة سابقة ولم يُقدم .. تلك هي الإيجابية التي تصنع مستقبلنا، وإلا سنظل نبكي دون أن نجد من يمسح دموعنا !