مقالات

أسئلة الوطن من خارج الصندوق | ما معنى أن تكون وطنيًا؟

الكاتب/ة قصي بن ظاهر | تاريخ النشر:2021-07-08

حسناً، ماذا لو اتفق أحدهم مع رأي تشومسكي المشار له في المقال السابق والذي يقول أنه لا يوجد شئ إسمه حب الوطن و أن ما نسميه حب الوطن هو في الأساس فقط إعجاب، هل يخرجه تبنيه لذلك الرأي من الوطنية ؟ وما معنى أساساًِ أن يكون الإنسان وطنياً؟

تشومسكي يقول أنه لا يوجد شئ إسمه حب الوطن بل ما نسميه حب هو في الحقيقة إعجاب، على أساس أن الحب عاطفة بين البشر فقط، فأنت لا تحب القراءة بل تهواها وأنت لا تحب النوم بل تحتاجه أو تعودت على الإكثار منه، وأنت لا تحب الطبيعة بل معجب بها كونها تزرع في داخلك الشعور بالراحة والسعادة وأنت تنظر لتجلياتها الخلابة، بينما أنت تحب والديك وأهلك دون أن يكون ذلك بسبب الحاجة او العادة أو الإعجاب، هنا يأتي الوطن، فهو حاجة حياتية كما يُفهم من كلام سيدنا على رضي الله عنه عندما قال “الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة”، فعلاقة الفرد بالتالي مع الوطن ليست كعلاقة الإنسان مع والده الذي يحبه دون سبب، بل هي علاقة حاجة والتزام متبادل، فالغنى والعيش الكريم الذي يحتاجه الإنسان إن تحقق في الغربة يصبح معه ذلك وطنه، وإن لم يكن موطن الولادة والأصل، وهو ذات الرأي الذي ذهب إليه الكاتب والشاعر اليوناني أريستوفان عندما قال “أينما رزق الإنسان فذلك موطنه”، فالوطن والإنسان تربطهما علاقة الحاجة و المصلحة المتبادلة، فالمواطن يريد من وطنه أن يلبي له حاجاته ليعجب به ويكون ملتزماً به والوطن بحاجة للمواطن الذي يدافع عنه ويحميه ويعمره، فلا قيمة ولا وجود للوطن دون وجود هذا الإنسان على أرضه.

ما الذي يجعل الوطن وطنك ؟

في سياق ما ذُكر قد يظهر سؤال آخر وهو ما الذي يجعل الوطن وطناً لإنسان ما ؟ وللجواب على هذا السؤال فإني سأزيد عن ما ذكرته أنفاً في كون الوطن هو الملاذ الذي يجد فيه الإنسان كرامته ورغيف الخبز والسقف الذي يقيه كما قال الشاعر والدبلوماسي السعودي غازي القصيبي، فالوطن الذي يكفل للإنسان ذلك هو الوطن وهو تأكيد آخر لكون الوطن والإنسان تربطهما علاقة مصلحية في الأساس، فالشعور بالإنتماء هو ذاته شعور مصلحي نابع من رغبة الإنسان في أن يكون ذا هوية يمكن له أن يفاخر بها، فالشعب الفلسطيني على سبيل المثال مازال يناضل من أجل إستعادة أرضه المسلوبة منذ عقود لا لشيء إلا لكون ذلك نابع من الشعور الجمعي بالهوية والانتماء لتلك الأرض رغم أن وطنه المسلوب لم يقدم له شئ سوى أمل الهوية والكرامة الوطنية وهو الشعب الذي يعيش مشتت بين دول العالم فاقد لأبسط حقوق الإنسان في التمتع بجنسية يراها حقه.

أتوقف هنا لألتقيكم في المقال القادمة و الذي سأخصصه للحديث عن معنى الدفاع عن الوطن.