العلاقة بين الحكومة والشعب مبنية على صك إنابة، لا على فوهة دبابة.
ومقتضى ذلك أن لا يجوز للقيادة أن تحكم بالعنف المادي والإجبار والقمع، كي لا تنحدر إلى نموذج “الدولة البوليسية”، بل تلتزم بحل أي خلاف سياسي أو اجتماعي بالأسلوب السلمي، فاتخاذ العنف المادي أداة للسيطرة مرفوض، سواء كان للبقاء في السلطة أم للوصول إليها، لأن القوة البوليسية لا تصنع حقًا ولا أمنًا، فضلًا عن أن تصونهما، لأن الحق والأمن المكتسب عن طريق قوة الجبر والقمع، يتلاشى بتلاشي قوة الجبر، وقوة الجبر تحمل بطبيعتها جنين فنائها.
إن كل حكم مهما قوي وبطش لن يستقر ولن يستمر، ما دامت وسيلة بقائه وأمنه هي أضلاع مثلث القمع في الدولة الجبرية، لأنه مولد طبيعي للعنف الاجتماعي والسياسي، والقمع منهج متى استخدمته الدولة ضد مواطنيها، أدى لتلاشيها.
يفتقد الناس في دولة القمع شخصياتهم الطبيعية، ويصبحون من دون حقوق وشخصيات معنوية إنما هم أسنان في مجنزرة الدولة.
السلطة المطلقة تتوهم أن الوطن يمكن أن يقوى من دون حرية الأفراد السامية، فتغفل عن الحقيقة الإنسانية، كُل وطن لا يتمتع فيه الفرد بحريته السامية وكرامته، لا يمكن أن يكون وطنًا كريمًا، فضلًا عن أن يكون عزيزًا، من أجل ذلك منتسكيو: “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”.
إن الناس أفرادًا وجماعات ومجتمعًا، هم غرض للدولة، وهي خادمة أمينة لهم، معنى ذلك أن وظيفة الحكومة هي حراسة القانون “لا” تقريره، وضمان الحريات الأساسية للناس “لا” انتهاكها، وحراسة الأمة “لا” انتهاشها ونهبها، والخضوع لرأي الشعب “لا” الوصاية عليه، وحفظ حدود الوطن “لا” فتحها للتدخلات الخارجية.
نكرر مرارًا: وظيفة الدولة صيانة الحقوق ولا سيما: الحرية والكرامة والمساواة، حيث أن الدولة وكالة لكن ينبغي أن تكون تدخلاتها في شئون الناس محدودة ومقيدة بأكثر ما يمكن من قيود، كي لا تجنح إلى الاستبداد والاستعباد والطغيان، وأن تدع للشعب أحقيته في تحديد مصيره ومشاركته السياسية بالقرارات، وحقه بالتجمعات، وتأسيس حركات مدنية وأحزاب سياسية، حقه في التعبير والقبول والرفض، وممارسته لها، وحماية هذا الحق من أي انتهاك ممنهج يأتي على شكل قانون حماية للوطن وهو بحد ذاته حماية للمستبد ذو السياسة القمعية.