في المراحل التي نشهد فيها أزمات كهذه الأزمة التي يعيشها العالم اليوم، ترتفع الأصوات حول ضرورة الدفاع عن الوطن، فتُحشد الجيوش، وتُسَخّرُ الأقلام ويعاد التخطيط لواقع اقتصاد الوطن، ويجهز المواطن لمواجهة تبعات وتحديات هذه الأزمات، وهنا أقف أمام سؤال آخر لابد أن يتم تناوله وسبر أغواره بحيث لا نأخذ المسائل من منطلقاته السطحية والمعتادة ونحاول أن نفهم المعاني الحقيقية لما يقال لنا، فما الذي يعنيه الدفاع عن الوطن، وعن ماذا ندافع ومِن مَن؟
الدفاع عن الوطن كما يصفه الأمريكيون وجل مواطنو الديمقراطيات هو الدفاع عن طريقتهم في الحياة، أي النمط الحياتي وأسلوب المعيشة الذي يتمتع به الفرد في وطنه من حيث الحريات والفرص والحقوق والواجبات، كل شئ في دفاعهم عن أوطانهم يدور حول حماية حياتهم من التغيّر والخنوع لنمط حياة مختلف عن ما اعتادوا عليه وناضلوا لتحقيقه عبر العقود.
الوطن لديهم هو المكان الذي به يعيشون كما يريدون، لذلك تجدهم يدافعون ويحاربون للحفاظ على النظام الديمقراطي القائم وعن الدستور الضامن ويرتكبون حتى الشرور في حق الأوطان الأخرى في سبيل المحافظة على طريقة حياتهم، فالدفاع مثلاً عن أمريكا بالنسبة لهم تعني القيام بكل ما يمكن من أجل ضمان الحفاظ على مكتسباتهم، كما يعني أن يضحي الفرد بماله بدفع الضرائب لكي تصبح دولته قوية وقادرة على بناء ذاتها وضمان آلية للتكافل بين أبنائها، كما تدافع عن الوطن بالتمتع بحق المشاركة الإيجابية في بناء الوطن من خلال الاختيار الحر للمرشحين الذين يقومون بإدارة الوطن بالطريقة التي تكفل لهم كمواطنين الحياة الكريمة وكذلك إختيار المرشحين القادرين على حماية مصالحهم أمام الأخطار الداخلية والخارجية.
المواطن الأمريكي مثله مثل المواطن في باقي الدول الديمقراطية لا يدافع عن الوطن من خلال دفاعه عن الزعامات والأحزاب، فالزعيم أو السياسي أو الحزب بالنسبة لهم موظفون يقومون بدورهم في خدمة مصالحه كمواطن، فهو عندما يدافع عن الوطن لا يدافع عن الـ”من” بل يدافع عن الـ”ماذا”، وهنا يكون الجواب على السؤال الثاني.
هناك فرق بين من يدافع عن طريقة حياة اكتسبها وأصبحت حقه وبين من يدافع عن وطن مختزل في زعيم أو حزب، فالعراق قبل عام 2003 كان مضطراً لأن يدافع عن بلاده التي إختزلت في شخص صدام حسين ونظامه البعثي تماماً كما نشاهدها اليوم في سوريا التي كان وما زال نظامها يصدّر مقولة “الأسد إلى الأبد”، وعندما ثار الليبيون كان هدفهم الأول الإنتقام من القذافي الذي حكمهم بالحديد والنار لعقود، مثلهم مثل العديد من الثورات التي وقعت في الدول الشمولية عبر التاريخ والتي جعلت الزعيم هو المستهدف الأول لأنه هو الذي اختزل الوطن في شخصه أو في حزبه.
عندما ثار هؤلاء وانقلبوا على النظام القائم فهم ثاروا على الزعيم وليس على الوطن، فالزعيم أو الحزب إلى زوالٍ بينما الوطن بقى وطناً، بالتالي فالوطن لم يكن أبداً متمثلا في شخص الزعيم الفرد أو الحزب والصفوة، لأنه لو كان الأمر كذلك لزال الوطن بزوال الزعيم.
الحديث عن المعارضة واتهامات الخيانة سيكون محور حديثنا في المقال القادمة، إلى ذلك الحين حفظكم الرحمن جميعاً.