مقابلات

يحيى عسيري يكشف لـ"صوت الناس" عن كيفية حصول القسط على معلوماتها من الداخل السعودي

تاريخ النشر:2024-09-07

*القسط استطاعت تغيير سردية السلطات السعودية أمام الأمم المتحدة
*تعاون القسط مع المحققة الأممية في قضية خاشقجي أحدث فرق كبير
*القسط طالبت بعرض قضية خاشقجي على المحاكمة الدولية
*اقناع السعوديين بالعمل الحقوقي والإشكالية المادية أبرز معوقات القسط
*على رجال الأعمال والتجار والمقتدرين الاقتراب من العمل العام والحقوقي
*السلطات السعودية تحارب العمل الحقوقي بشكل عام والقسط جزء منه
*السلطات السعودية لاحقت كل من عمل مع القسط بالاعتقال والتعذيب
*المحاكم السعودية توصم القسط بأنها "منظمة مشبوهة" وتنعتني بـ"المارق"
*تعرضت لتهديدات من السلطة ووصلت لأسرتي في بريطانيا وقدمنا بلاغات رسمية
*عهد بن سلمان الأصعب من الناحية الحقوقية والسلطة تقمع الجميع
*مصادرنا في كل مكان بالداخل السعودي وفي أماكن حساسة بالدولة

في الذكرى العاشرة لتأسيس منظمة القسط الحقوقية أحد أبرز المؤسسات المعنية برصد الحالة الحقوقية في المملكة العربية السعودية التي أسسها يحيى عسيري في أغسطس/ آب 2014 بعد خروجه من السعودية واستقراره في المملكة المتحدة مع أسرته، حاورته "صوت الناس" حول ما حققته المنظمة خلال سنوات عاصرت خلالها عهدين ملكيين.

وافتتح الحوار بالحديث عن فكرة تأسيس القسط وأهدافها والمعوقات التي واجهتها وكيفية تخطيها، وموقف السلطات السعودية من المنظمة ومؤسسها، وحقيقة تعرضه لتهديدات وكيف تعامل معها، مرورا بتقييم الحالة الحقوقية بعهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز والملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز ونجله محمد الحاكم الفعلي للمملكة.

وتطرق الحوار مع عسيري إلى الطرق التي تستقي بها المنظمة معلوماتها من الداخل السعودي والآلية التي تتواصل بها مع مصادرها في المؤسسات الحساسة، وكيف تحافظ على سلامتهم وردة فعل السلطات حال الكشف عن أحد مصادر المنظمة، مسلطاً الضوء على ما حققته القسط من تواصلها مع الأمم المتحدة وأبرز القضايا التي كشفتها للرأي العام.

إليكم نص الحوار

** بداية حدثنا عن القسط وفكرة تأسيسها قبل ١٠ سنوات والهدف الذي أسست لأجله؟

- عندما أسست القسط كان هناك فراغ كبير جدا في مجال العمل الحقوقي ولا يزال، وكان هناك عدد من المنظمات السعودية والأجنبية التي تعمل على الشأن السعودي بعضها سبق القسط وبعضها تبعها، بالإضافة إلى مؤسسات عالمية كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش التي كانت تعمل على السعودية.
- وكان هناك بعض المؤسسات التي أسست بالداخل مثل "عدالة، مرصد حقوق الإنسان في السعودية، وحركة الحقوق المدنية والسياسية -حسم-"، وفي الخارج كانت المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان. 
- وأسست في تلك الفترة ديوان المظالم الأهلي، وعدد من المبادرات الأخرى، وكانت القسط جزء منها، مستفيدا من العمل العالمي في الخارج والداخل، وربما كنت جزء من بعضه في الداخل، وقريب من بعضه الأخر، وفي الخارج كنت قريب منه في بعض الأوقات.
- الفكرة الأساسية لتأسيس القسط كانت تستهدف وجود مؤسسة تبني على النشطاء السعوديين، بعدما حلت جمعية حسم وعدالة وأوقف المرصد، إلى جانب الاستفادة والبناء مع المنظمات الكبرى التي تعمل على السعودية، وضمان أن عملها متصل بالشارع السعودي.
- كانت الفكرة منذ التأسيس أن تكون القسط مثل البرج الذي يرمم القوى الموجودة بين الداخل والخارج، ويضمن أن المؤسسات التي تعمل بالخارج لها تواصل بالداخل وأن النشطاء في الداخل لهم تمثيل خارجي.
- وحرصت القسط منذ البداية على التعاون والتكامل مع كل النشطاء والمؤسسات الموجودة، والعمل معاً، ولذلك اعتبر ما حققته القسط نجاح مشترك يحسب لهذه المنظمات والنشطاء والمعتقلين بالسجون، والأشخاص المتعاونين الذين بنوا معها.

** وما الأسس التي قامت عليها القسط؟
- التعاون والعمل مع الآخرين كان الأساس لدى القسط والمنظمات الصديقة والنشطاء الأصدقاء الآخرين الذين عملوا في تلك المؤسسات بشكل فردي ومستقل.

** ماذا حققت خلال ١٠ سنوات من عملها الحقوقي؟
- رأينا وربما كان واضحا في السنوات العشر الماضية، أن هناك تغير في السردية التي كانت تقدمها السلطات السعودية عن الشأن الحقوقي، فمثلا قبل 2014 وما سبقه عندما نرى الإفادات التي كانت تقدمها لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، كانت تستخدم الدين والعادات والتقاليد ورضا المجتمع كحجج تقاوم بها المنظمات الأجنبية أو العالمية.
- لكن هذا الأمر لم يعد موجود لاحقا بفضل القسط وحلفائها والمنظمات الأخرى، وبفضل النشاط الحقوقي المتنامي الذي لم تكن القسط وحدها هي كل شيء، بل كانت جزء أصيل ومهم منه.
- أشعر بالسرور الكبير لما حققته القسط وهذا الإنجاز الكبير وبالعمل العظيم الذي تقدمه القسط وهذا لا يقلل أو يخفي الجزء الكبير جدا الذي قام به الآخرين الذين تتحالف وتتعاون معهم القسط وتعمل معهم، فنجاح القسط هو نجاح للحراك الحقوقي بشكل عام.

- وكجزء من الحراك الحقوقي أصبح هناك تغير كبير جدا في مفهوم الحالة الحقوقية عن السعودية، ولم تعد الدولة المغلقة التي يصعب فهمها والتي يتم قراءة الأحداث فيها من خلال منظمات عالمية توجد مسافة بينها وبين الشارع رغم أنها مسافة مفهومة ومهما اجتهدت تلك المنظمات إلا أنه يصعب عليهم فهم الشارع عن كثب.
- وبالتعاون مع المصادر الداخلية والنشطاء بالداخل فإن السردية تغيرت كثيرا وواجهت السلطات السعودية صعوبة كبيرة جدا في المحاججة لدى الأمم المتحدة، وأصبح من الصعب عليها إخفاء انتهاكاتها، ولذلك أصبحت السعودية مكشوفة تماما بانتهاكاتها سواء أمام المنظمات أو الأمم المتحدة، أو أمام السياسيين الذين تتعاون معهم القسط.
- نرى ذلك في التقارير السنوية للدول الحليفة للسعودية حيث تتحدث وزارات الخارجية البريطانية والأميركية، فيها عن الحالة الحقوقية السعودية بوضوح وتقتبس كثيرا من القسط، وهذا يرينا مدى التغيير، وكذلك التقارير التي تسلمها تلك الدول للأمم المتحدة وتواصلها مع المقررين الأممين والأطراف المعنية، وتواصلها الوثيق والدائم. 
- وعلى سبيل المثال لا الحصر فكان للقسط عمل واضح في قضية الصحفي جمال خاشقجي الذي اغتالته السلطات السعودية داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وتعاونت مع محققة الأمم المتحدة أنيس كالامار، مما أحدث فرقا كبيرا، لأن الكشف عن الانتهاك هي الطريق الأول لمقاومتها.

** ما المعوقات التي واجهت القسط خلال السنوات العشر؟ 
- المعوق الأساسي هو مفهوم النشاط الحقوقي لدى المجتمع السعودي، وكان لدينا في السنوات الأولى إشكال كبير جدا في إقناع الناس بأن حقوق الإنسان لا تتعارض مع الدين ولا العادات والتقاليد، وأن المنظومة الحقوقية عالمية، وأن القيم الحقوقية هي قيم إنسانية وأن الأنظمة والقوانين إذا كان بعضها صيغ في الغرب، فالمفترض أن تبنى على القيم المشتركة لدى الإنسان.
- وإذا كان هناك اعتراض على بعض الأنظمة والقوانين فيجب المطالبة بتعديلها والعمل على ذلك بما يخدم الإنسان وحقوقه لا بالتصادم معها والقطيعة مع المنظومة الحقوقية.
- وكان هذا أحد أصعب المهام، والتي أشعر أننا تجاوزناها كثيرا وترسخت الفكرة الحقوقية لدى المجتمع السعودي، وأصبح يتقبلها ويحترمها إلى حد كبير.
- والإشكال الآخر كان في الإمكانيات سواء في طواقم العمل، حيث لم يتعود أبناء المجتمع على العمل المدني والمؤسسي والعمل لخدمة الصالح العام، فقد تعود مجتمعنا على العمل في القطاع الخاص، كالتجارة ومثلها أو بالقطاع الحكومي، لكن المجتمع المدني والعمل المدني والنفع العام حرمته السلطات منذ البداية وسيطرت عليه بشكل كبير.
- الأمر الذي صعب علينا الوصول لمتطوعين، وإن كانت توجد مبادرات رائعة وأشخاص رائعين، لكنه ليس بالعدد الكافي لأن الفكرة غير مترسخة في مجتمعنا، والعائق كان في المقومات والإمكانيات المالية، فلدينا إشكاليات مادية منذ التأسيس، ودائما نواجهها في كل فترة.
- عندما نعمل مع المنظمات الكبرى وبعض المستشارين لحل الإشكاليات المالية تكون الحلول بتقليص العمل والعاملين والنشاط، وهذا خيار كنت أقاومه طوال العشر سنوات، ولا أراه الحل الأفضل، بل يجب علينا أن نبقى ندفع للأمام، وإن كان يتطلب جهدا كبير وعمل لساعات طويلة جدا بدون مقابل لسد الخلل الموجود في الإمكانات.
- وإذا كان غير ممكن توظيف أشخاص بمرتبات وساعات عمل محددة بشكل كافي لمقاومة الانتهاكات، فإن هذا يتطلب ساعات أكتر من المتطوعين والنشطاء وهذا مرهق جدا.
- لكن الانجاز الذي حققته القسط وانعاكاسات جهودها بخروج أحد من السجن أو سقوط اسم أحد من قائمة الإعدامات، كانت الطاقة التي نستمد بها البقاء.
- ويبقى من الواجب واللازم على رجال الأعمال والتجار والمقتدرين الاقتراب من العمل العام والحقوقي، فهم قصروا كثيرا جدا في الوقوف مع حركة حسم والمرصد السعودي والمبادرات، والسبب أن هناك فراغ كبير بين النشطاء ورجال الأعمال.
- كما سيطرت السلطات السعودية على رجال الأعمال، وللأسف بعضهم يتأذى كثيرا من السلطات ولا يزال حتى الآن لا يستطيع الانسجام مع العمل المدني والحقوقي والعمل للصالح العام.
- القسط منذ تأسيسها وحتى الآن تعاني من هذه الإشكاليات، وهذا هو السبب الرئيسي خلف الاستنزاف الكبير للعاملين بالقسط خاصة المتطوعين والموظفين الذين يتقاضون رواتب رسمية هم أيضا جميعهم يتطوعون بساعات إضافية وأعمال إضافية، وبرغم ذلك فإن روح الفريق داخل القسط عالية جدا، وكل العاملين حتى الذين غادروها يعطون أكثر مما يأخذون. الضغط ليس فقط على المتطوعين والنشطاء، بل على الموظفين الرسميين في المنظمة كلهم يقدمون أكثر من المطلوب منهم بمبادرات شخصية منهم، وهذا يعين كثيرا في محاولة سد الخلل الموجود، ولكن لا يزال الإشكال المالي والقدرات والطاقات كبير جدا.

- ما موقف السلطات السعودية من القسط عموماً ومؤسسها خصوصاً؟ 
- السلطات السعودية منذ البداية تحارب العمل الحقوقي بشكل عام، والقسط جزء من هذا العمل، وفي فترات تتجاهل وآخرى تهاجم بشكل بشع جدا. 
- وعندما شارك المرحوم خاشقجي رحمه الله في أحد مؤتمرات القسط الذي حمل اسم "السعودية.. إشكالات الماضي ومخاطر المستقبل" وكان هذا ظهوره العلني الأول والأكبر بعد خروجه من البلد، هوجم بشكل كبير وهوجم المؤتمر وأسموه "مؤتمرا مشبوها"، وفصل خاشقجي على إثرها من جريدة الحياة.
- وفردت صفحتين كاملتين في أحد الصحف واستضافت حينها الصحيفة عددا من السعوديين الذين كانوا أعضاء بمجلس الشورى وأعضاء بهيئة حقوق الإنسان السعودية لمهاجمة القسط، وتبع ذلك هجوم عدة مرات في الصحف السعودية، وكذلك العاملون معها، وتعرض كل من اشتبهت السلطات في أنهم تعاملوا معها للتعنيف الشديد والاعتقالات والسجون.
- كما تعرض كثير من الأشخاص للتحقيقات حول عملهم مع القسط، وأيضا أولئك الذين لم يعملوا معها ولم يكونوا قريبين منها تعرضوا لتحقيقات وتعذيب.
- وتسمي المحاكم السعودية القسط بأنها "منظمة مشبوهة"، بينما هي منظمة حقوقية واضحة في دستورها وعملها وتسجيلها ومحترمة عالمية ولدى الأمم المتحدة ولدى الدول الحليفة للسعودية، ومحترمة في التقارير الإعلامية عنها، ولا تستطيع السلطات السعودية أن توجد أي تقرير أو خبر نشرته القسط غير دقيق بنسبة 100%، ومع هذا تقول عليها "مشبوهة"!
 - وحاول عدد من الأصدقاء من ضمنهم حسم وعدالة والمرصد السعودي لحقوق الإنسان التسجيل رسمياً في السعودية إلا أنهم منعوا، فهم لا يريدون أي عمل حقوقي أصلاً، وكذلك القسط يرونها إشكالية كبيرة.

- أما مؤسسها فهم يسموني في المحاكم السعودية "المارق" وهذه الكلمة لها دلالاتها العنيفة والسيئة، وهذا لن يغير من الأمر شيء، فلدينا مشروع ومشروعنا هو حفظ كرامة الإنسان وحقوقه وتعزيز الحالة الحقوقية في داخل مجتمعنا، وهذا كان واضحا منذ البداية ومحدد المعالم.
- حتى عندما أردت أن يكون لي مطالبات أخرى كان هناك مبادرات مختلفة عن القسط كالديوان الديمقراطي، وشاركت مع الأصدقاء في تأسيس حزب التجمع الوطني، بالإضافة إلى مبادرات أخرى خارج القسط حتى تبقى المنظمة حقوقية خالصة.

**  هل تعرضت لمساومات أو تهديدات طوال العشر سنوات؟ وماذا كان وقعها عليك وكيف تعاملت معها؟
- بالطبع نعم، في كثير من الأحيان كنت اتجاهل كثير من التهديدات بقصد عدم الانشغال بها وعدم تعطيلنا، خاصة أن هذه الأفعال لا يمكن أن تخيفنا أو توقفنا، وعندما تطاول البعض وصل الأمر إلى الأسرة في بريطانيا، وحصل بعض التهديدات وقدمنا بلاغات رسمية وتم التعامل معها رسمياً.
- ومع التجاهل زادت السلطات السعودي من سلوكها المشين، فلذلك رفعت مؤخرا قضايا عدة، ومنها قضية الاختراقات، وهي في طريقها بالاتجاه الصحيح، وربما نسمع جديدا في هذه القضايا قريباً.

**  عاصرت القسط عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسلمان ونجله، فأي العهدين كان العمل الحقوقي فيه أصعب؟
- كانت المرحلة الأصعب هي لحظة تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، لأن كان هناك دعاية وإعلان كبيرة جدا وتمهيد لتلك اللحظة وبناء علاقات خارجية قوية.
- لذلك واجهنا صعوبة كبرى في إقناع كثيرين بالخارج بسوء الحالة الحقوقية، وبأنه لا يمكن الإصلاح، وأن الإصلاح لابد أن يكون مؤسسي ومنظم ووفق المسار الصحيح، ولابد أن يكون لدينا قوانين واضحة ومكتوبة ودستور للبلاد وقضاء مستقل ونزيه وتمثيل شعبي ورقابة على أداء السلطات وحرية رأي وتعبير وتجمع وإمكانية لنقل السلطات.

- كل هذه المنظومة والتفاصيل يجب أن تكون موجودة للإصلاح، لأنه لا يمكن أن نقول إن هناك شخص سيقوم بالإصلاح وهو يمنع الناس من انتقاده لأنه إذا كان مصلح فسيقول الناس إنه مصلح، وإذا كان غير ذلك فإنه لن يسمح للناس إلا أن يقولوا ما يناسبه، لذلك هذا الأمر بديهي وسهل وبسيط، لكن هناك أشخاص كانوا يريدون أن يصدقوا الدعاية السعودية واختاروا أن يصدقوها فكان من الصعب إقناعهم. 
 - بعد أن تولى ولي العهد منصبه الجديد أصبح هناك انتهاكات كبيرة، تمت بطريقة دراماتيكية سريعة جدا، بدأت بحصار قطر في يونيو/حزيران 2017، وراسلنا جهات مختلفة وقلنا وقتها إنه لم يكن الهدف الحصار، وإنما كان الهدف دخول قطر، وفي البدايات لم يصدقنا البعض، حتى اكتشفوا أخيرا أن هذه حقيقة.
- كما كانت هناك قطيعة وإشكال كبير مع تركيا على خلفية اغتيال خاشقجي في 2018، وحرب اليمن في 2015، التي قلنا منذ بدايتها إنه لا يجب الثقة في السلطات السعودية إلا أن كثير من اليمنيين أيدوا هذه الحرب والعبث وعملوا مع السعودية ضد بلادهم، ثم اكتشفوا لاحقا أنها دمرت اليمن وأنهم وقعوا في فخ.
- وبالتوازي مع ذلك اعتقلت السلطات السعودية ناشطين في حقوق الإنسان وعذبتهم تعذيبا وحشيا بشعا، وهنا ظهرت صعوبة العمل حيث كانت الانتهاكات كثيرة وكبيرة جدا وضغط عمل كبير، لكن فتحت لنا الأبواب التي كانت مغلقة، ومن كانوا يدافعون عن ولي العهد أدركوا الواقع وحاولوا التكفير عن خطيئتهم.
- وعندما كنا نجلس مع السياسيين والإعلاميين والمنظمات ونقول لهم إن الإصلاح لا يكون بهذا الشكل، كانوا يرفضون ثم لما رأوا الانتهاكات المتصاعدة منذ وصول بن سلمان لهرم السلطة عادوا إلينا وقالوا صدقتم أنتم أعلم ببلادكم وحاولوا أن يعملوا معنا.

** ما تقييمك للعهدين من الناحية الحقوقية وأيهما الأسوأ؟
- العهد السابق كان يسير على النظام القمعي السعودي القديم الذي يطمح لإصمات المجتمع و إسكاته بإبقاء التوازنات، وعندما يتقوى تيار أو طائفة أو فصيل أو مجموعة معينة تعمل السلطات السعودية على إصماتهم وقمعهم واستعداء البقية عليهم وتراهن على الفتنة بين المجتمع وخلق الإشكاليات بين أبنائه وتنوع في اعتقالاتها بهدف أن يبقى المجتمع صامتاً خائفاً.
- أما العهد الجديد فالسلطات تقمع الجميع ولا يوجد توازنات ولا دعم تيار وقمع الآخر، الجميع مقموعين، ولا تفكر في إرضاء أي من التيارات أو الأطراف في المجتمع، بل ترى أنها متمكنة وليس لديها أي رغبة في كسب أي من التيارات أو الطوائف أو أبناء المجتمع، وترى أن الجميع يجب أن يكون خائفا ومطيعا و راضخاً.
- أيضا من التغييرات الكبيرة أن العقاب ليس للإصمات كما كان في الماضي حين كان قمع النشطاء والصحفيين لكي لا يتحدث الناس عن الاستئثار بالسلطة والقمع والفساد المالي، بل أصبح الآن القمع لمجرد القمع، ويعدم الأشخاص لمجرد التغريد، ويقتل صحفي لمجرد مقالات، ويعذب الناس في السجون لمجرد التعذيب.
- والتعذيب جريمة مرفوضة دائما لكن السلطات السعودية تستخدمها عادة لانتزاع أقوال أو لإجبار على مواقف، أما حديثا أصبح التعذيب والقمع أهدافا لذاتها. 

** تستند القسط في تقاريرها لمصادر بالداخل السعودي؟ فهل لازالت تحافظ على مصادرها؟
- من الصعب على السلطات وقف التواصل بين الداخل والخارج وقطع التواصل بين النشطاء رغم سعيها لذلك، ولكن الأمر صعب جدا، هناك عدد من النشطاء البارزين المعروفين طاردتهم السلطات وعاقبتهم وحاولت إبعادهم عن المشهد والساحة باعتقالهم وتعذيبهم وإعدام بعضهم، لكن كما قال مؤسس حسم الحقوقي الدكتور عبدالله الحامد: "النشطاء كالزرع كلما حاولت السلطات القضاء عليه زاد".
- يوجد نشطاء في كل مكان وفي أماكن حساسة في الدولة ولازال التواصل قوي بين الداخل والخارج، وكلما زاد الغضب على السلطات في الداخل كلما حاولوا تنفيس هذا الغضب بالتواصل مع الخارج، وهذا ما نسعى إليه أن نكون معبرين عن مجتمعنا وأبنائه، ومن الصعب على السلطات قطع هذا التواصل ولازال كثير من الأشخاص من موظفي الدولة على تواصل وثيق مع القسط.

** ما الصعوبات التي واجهتكم في التواصل مع تلك المصادر وهل خففوا تواصلهم معكم في أي فترة خشية انكشاف أمرهم؟ 
- الصعوبات هي التعذيب الوحشي الذي طال البعض لأن السلطات ظنت أنهم يتواصلون أو أن لهم نشاط، والسجون والقمع الذي طال كثير من الناس، وهذه من أبرز الصعوبات وهذا أمر سيء جدا لا يجب أن يحصل في أي مكان في العالم، أن يتعرض الناس للقمع والتعذيب والقتل والسجون لمجرد أنهم يتحدثون عن حقوقهم أو يطالبون بها.
- هذا يتطلب منا مزيد من الحرص وهذا تم تجاوزه بمنع التواصل مع الشخصيات البارزة والتواصل مع شخصيات لا تظن السلطة تواصلهم معنا ويحافظون على أعمالهم، والمطلوب منهم خاصة الموظفين في الأماكن الحساسة ألا يتخذوا مواقف مناهضة للظلم والاستبداد بشكل علني من الداخل.
- وعليهم أن يبقون بأعمالهم ومراكزهم ويتواصلون معنا لنكون على إطلاع بالقضايا التي تحصل، خاصة ما يحدث بالمحاكم، وواضح للسلطات والمنظمات وكل المتابعين أننا لا زلنا نتحدث عن الأحكام التي تصدر من قبل السلطات ونتحدث عن سير المحاكمات، بل إننا نشرنا تفاصيل محاكمة من تتهمهم السلطات في عملية قتل جمال خاشقجي.

** ماذا حققت القسط من تواصلها مع المنظمات الأممية؟
- هذا حقق الكثير من الضغط على السلطات السعودية حيث ترفض التعاون مع المنظمات والتجاوب معها، وتتجاهل رسائل القسط، لكن حين نرسلها للأمم المتحدة ثم تقوم بدورها بإرسالها للسلطة السعودية فترد مجبرة ثم نحصل على الإجابة بهذه الطريقة، وهذا يشكل ضغط على السلطات.
- لكن أيضا ليس فقط التواصل مع الأمم المتحدة والمنظمات الأممية، بل أيضا التواصل مع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والنشطاء وجميع من يعملون في الحقل الحقوقي، والهدف الأساسي من ذلك هو كشف انتهاكات السلطات وتشكيل ضغط عليها للحد منها وتعزيز الحالة الحقوقية.

** ما أبرز القضايا والملفات التي استطاعت القسط إدارتها وكشفها أمام الرأي العام؟

- القسط عملت على الكثير من القضايا ولم تكن وحدها حتى لا نقلل من جهود الآخرين فهناك حلفاء وأصدقاء ونشطاء ومنظمات يعملون لكن كانت القسط جزء أصيل من هذا العمل.
- في قضية جمال خاشقجي رحمه الله كنا نحن أول من طالب بتدخل دولي وعرض القضية على المحكمة الدولية، وعندما طلبنا بذلك كان هناك تردد من بعض المنظمات العالمية ثم بعد عدة أيام وافقوا ودعموا مطلبنا ثم أصبح مطلبا عالميا ثم مطلبا للأمم المتحدة. 
- تحريك الملف بهذا الاتجاه كان ناجحاً، وصحيح أننا لا نستطيع إعادة خاشقجي إلى الحياة، لكننا حمينا حياة آخرين كانت تخطط السلطات لسلسلة اغتيالات، وهذا التدافع لا يعني أننا أوقفنا الاستبداد وكل ما تقوم به السلطات، لكن ربما حدينا منه.
- اجزم بأن لنا دور كبير في إخراج عدد من المعتقلين وتوقف تعذيب عدد آخر، وخروج ناشطات في حقوق الإنسان، لم تكن السلطات تنوي إخراجهن وكان واضح منذ البداية اتجاه السلطات حينما وضعت صورهن في الصحف ووصمتهن بالخيانة.
- كما نرى سلسلة الإعدامات التي تقوم بها السلطات بتهم تافهة وتسميهم خونة، فإذا لم يحدث الضغط الكافي فإن المصير مؤسف.
- وأيضا الملفات التي حظيت بتواصل جيد مع محامي الضحايا ومعرفة بالقضية تحصل على وضع أفضل، وهناك كثير من الأشخاص خرجوا من السجن بسبب هذه الضغوط وأسقط عنهم عقوبة الإعدام أو خف الضغط عليهم أو خففت محكومياتهم، وهناك قضايا لا يزال هناك تدافع فيها.
- هذه الانجازات قد تكون صغيرة لكن خروج شخص من السجن أو وقف تعذيبه أو اعتاقه من الإعدام يعني لنا الكثير ويعوضنا عن كثير من التعب و الإرهاق  والجهد الذي نبذله.