مقالات

خذلان الأنظمة العربية للدم الفلسطيني وعجز الشعوب

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2024-10-02

هذا المقال ليس بكاء على حالنا أمام الدماء والأشلاء التي نراها كل دقيقة في المشهد الفلسطيني منذ ١٢ شهراً، بل هي محاولة متواضعة لفهم الصمت العربي الرسمي والتواطؤ لتدمير غزة وتصفية أي شكل من أشكال المقاومة. ليست هناك مؤامرات تحاك على غزة، وعلى مسح الفلسطينيين من الوجود، بل هو مخطط معلن ويردده الصهاينة كل يوم. فلسان بن غفير وبقية المليشيات الصهيونية تتحدث بكل وضوح وتمول وتزود المحتلين بكل عتاد وحماية ممكنه لسحق الفلسطينيين في غزة. وفي الضفة وفي أي بقعه يتواجد عليها الفلسطيني وفي أي مكان يُذكر بحقيقة الواقع وحقيقة الكيان الصهيوني. 
يتساءل الانسان العربي وأي إنسان نبيل هذه الأيام لماذا يحدث كل هذا؟ ولماذا كل هذا الضجيج الذي قام به أحرار العالم من المشرق إلى المغرب، لم يستطيع أن يوقف هذه الإبادة؟ قبل أيام خرج الأمين العام للأمم المتحدة، عبر فيها صراحة عن عجزه أمام كل البربرية التي تحدث، وأنه لم يعد يستوعب كل هذا الخراب. كأنه يقول أنه لم تعد لديه أي قدرة أو صلاحية على وقف هذه الجرائم. وجل منظمات حقوق الإنسان والصحافة العالمية تعيش نفس المأزق في الشعور بحالة من عدم فهم كل هذا الغل والدموية والوحشية المفرطة من قبل الصهاينة وعن عدم قدرة أي كيان سياسي ومنظمات دولية على وقف الحقارة الصهيونية. حتى كبار المستشارين في الحكومة الأمريكية الذين قدموا استقالاتهم خلال الفترة الأخيرة، كان لديهم هذا الشعور، والأدهى المحكمة الدولية التي وقفت مع الحق الفلسطيني وصنفت المجرم نتياهو بمجرم حرب، لم تستطع بكل ثقلها إيقاف مسار الحرب.
أما في عالمنا العربي وخصوصاً الدول المحيطة بفلسطين، مصر، السعودية، الأردن، سوريا، لبنان. كل واحده لها شأن خاص بهذه الحرب. وما يهمنا هو فقط الحالة السعودية، وكيف أنها متواطئة كنظام سياسي يقف بكل وضوح مع الاحتلال. أما من يحاجج أن الحكومة السعودية تدين الاحتلال فهو أحمق ولا يستحق أن تتحدث معه لتبرهن له عكس هذا. فالقمع الذي تشنه السعودية منذ قدوم محمد بن سلمان للسلطة في حق الفلسطينيين سابقا، واعتقال وملاحقة كل من يناصر فلسطين منذ بداية الأزمة لهو دليل على وضوح موقف السلطة السعودية في الاصطفاف مع الصهاينة. و الشمس لا تغطى بغربال. من يقيم المهرجانات ليل نهار والاحتفالات الغير ضرورية طوال ١٢ أشهر لم ترف له عين لأجل غزة، فنحن أمام نظام يعلن سلوكه أنه لا ينتمي إلى العرب وإن إدعى أنه أصل العرب، فالأصل في أصل العرب أن يكون معه أخيه العربي في محنته وآلامه وأزماته، وأن يكون عوناً له لتجاوز هذه الإشكاليات المصيرية، لكن نحن أمام نظام سياسي يقوده شخص أناني، لم يتحمل المسؤولية في أي يوم، وقُدمت له السلطة على طبق من ذهب، فأضحى يتصرف كأنه ملك ولم يعلم أنه عريان من القيم والأخلاق ومن المهارات السياسية، فلا أسلوبه ولا سلوكه يقول عنه أنه سياسي ولا عربي ولا حتى إنسان.
نحن في زمن تتضح مقاصد وجود الدول القُطرية، وأهم مشروع هو السعودية والأردن، أكثر من أي وقت مضى. وما يهم هنا هو الحالة السعودية، فالحكام السابقين لديهم شيء من الوعي بخلق توازنات تخفف من حدة الإحتقانات السياسية في المنطقة، فهي كانت تسمح بهذا الهامش الذي يجعل الشعب يعيش حاله من التنفيس الانفعالي من جمع تبرعات وتقديم مساعدات خيرية يحشد لها الناس من خلال دعم ومباركة السلطة السعودية. اليوم اختفى كل هذا، بل أن الدولة أضحت تلاحق من يرفع يديه بالدعاء والقنوط لإخوانه في غزة. نحن أمام مشهد وصفحة جديدة من وضوح مقاصد الدولة السعودية، وخصوصاً أن محمد بن سلمان لا يعبأ بأي نقد، فهو يصير على فعل ما يريد مهما كانت العواقب، وهذه ليس شجاعة أو حكمة، بل سمة من سمات الغباء المستحكم في سلوكه السياسي. فهو على استعداد لإثارة السخط عليه محلياً من جُل الشعب، لأجل أن يقيم علاقات مع المحتل المجرم المدان الذي تتلطخ سمعته يوم بعد يوم بالإبادة والحرب، ويتخلى عنه معظم اليهود في كل أصقاع العالم ويقولون (ليس باسمنا- Not in Our Name) كأكبر حركة احتجاجية فصلت نفسها عن هذا الكيان المجرم. لو لاحظ المتابع لردود فعل الشعب السعودي في بداية الأزمة، كان هناك أصوات تتكلم بكل حرقة على ما يحدث، وتندد بالانحطاط الصهيوني، اليوم تم إخراج هذه الأصوات من المشهد بالتهديد تارة والتشبيح عليها تارة أخرى، وأهم مثال هو الطبيب والكاتب الدكتور جاسر الحربش، فقد تم تسليط الأصوات الصهيونية المحلية على حسابه وبعدها اختفى من المشهد وغيره من الشرفاء والنبلاء. وهناك مجموعة من الأنذال ممن لا كرامة لهم غير الاصطفاف مع سلوك الدولة القمعي أينما اتجهت، حتى لو إلى الهاوية فهؤلاء معها ويعتقدون أنهم بهذا يحسنون صنعاً، وهم مرتزقة لا كرامة ولا قيمة لهم، وهم فشلة في كل شيء، وما يهمهم هو أن يكونوا أصوات تبرر قمع الدولة وسوء سلوكها لكي تكسب الحظوة لدى السلطة. وهذا شيء شائع في بيئات القمع والاستبداد، حيث تستنفع بعض الشرائح في هذا المناخ البائس.
في الختام، لا أحد يعلم على وجه الدقة متى ينتهي هذا البؤس، وتتوقف الإبادة. ولا أحد يعلم على وجه الدقة ان كان هناك بقايا من الثقة في الأنظمة السياسية العربية. وهل هناك من ينظر لهذه الدولة بأن لها شرعية سياسية وأخلاقية، أم أنها صامدة بفعل القوة الأمنية. فمعظم الدول المحيطة بفلسطين قمعت شعوبها لأجل خروجها في مظاهرات واحتجاجات سلمية.

أختم بعبارة الشهيد الدكتور أبو بلال، أن النهر يحفر مجراه، وهذا ما يحدث الان أن الشعوب العربية تخط دروبها في الأرض لترسم طرق ومعالم لحقبة جديدة بدأت تتشكل بداية ملامحها لمن يبصر المشهد بشكل جيد.