مقالات

واقع المرأة في السعودية، بين الموجود والمنشود

الكاتب/ة شعاع الزهراني | تاريخ النشر:2021-03-22

تمثل قضية المرأة في السعودية قضية اشكالية أمام ترويج إعلامي يحاول تزييف واقعها وسلطة أبوية تحاول طمسها وتغييبها، الأمر الذي دفعها وما زال يدفعها إلى النضال، وسأحاول في هذه المقالة عرض واقع المرأة في السعودية، بين الموجود والمنشود انطلاقًا من بداية الألفية الثالثة إلى الآن.

واقع المرأة العربية عمومًا والسعودية خصوصًا تغيّر قليلًا خلال العقود الماضية لكن المشكلة في الدول العربية هي وجود نظام أبوي يعطي الرجل امتيازات تجعله يفرض سيطرته على حياة النساء وقراراتهن، فلا يوجد مجتمع عربي يتمتع بالمساواة حاليًّا، ففي الدول الدول العربية والخليجية على وجة الخصوص ما زالت النساء تعانين، وما زالت النساء تستنجدن، وما زالت النساء تطالبن بحقوقهن المسلوبة.

لا يعني السماح بقيادة المرأة للسيارة أن هذه المشكلة قد انتهت وحلت، إذ نجد بعض الأسر والعائلات التي تتعنت حتى الآن في تطبيق القرار وترفض السماح للنساء في العائلة أو القبيلة بالقيادة، ولا يوجد قانون يجرّم مثل هذه التصرفات والتجاوزات باعتبارها تجاوزًا وتعديًّا على حق إنسانيٍّ اصيل مكفول في القوانين، وما زالت النساء تعانين من التعنيف والحبس في المنازل ودور الرعاية التي تفتقر للرعاية وتهتك بدورها حقوق الانسان، ناهيك عن جرائم “اللاشرف” التي تتسامح معها القوانين باعتبارها شأنًا أسريًّا ترفض التدخل فيه، وعلى الرغم من أننا في عام 2021 إلا أن بعض الأسر ما زالت ترفض تعليم النساء وتعتمد زواجات القصَّر بالتحايل على القانون، خصوصًا في المناطق النائية والقرى، أو حتى بتواطئ القانون، وباختصار وبعد مرور عشر سنوات منذ الحراك العربي ما زال أمامنا الكثير من النضال والتحرّك والاحتجاج، فالمرأة لا زالت تعامل كمواطن درجة ثانية مسلوبة الحقوق كحق الاستقلال والرعاية الصحية وتمرير الجنسية والحماية.

ولكن، ورغم كل ذلك، إلا أن المرأة العربية ازدادت وعيًا ومعرفة بحقوقها، وطريقة نضالها تغيرت للأفضل، إذ أن النساء الآن هن من يقدمن مشاريع حلول ومقترحات للحكومات العربية وهن من يكتشف الخلل في القوانين الموضوعة، فترى المرأة تطالب بنقاط واضحة وصريحة لم يكفلها لها القانون الذي يتسلّط عليها على مدى سنوات عديدة دون مبرر.

لقد أيقنت النساء أن المطالبة بحقوقهن واجبٌ وحقٌّ رغم محاولات الحكومات بإاعلامها تشويه النضال النسوي العربي والسعودي خاصة برمي تهم التطرف والعمل لصالح جهات وأجندات أجنبية، إلا أن النساء مستمرات في نضالهن ومطالبتهن بحقوقهن والوقوف مع المظلومين من المعتقلين تعسفيًّا أو الدفاع عن الأغلبية المضطهدة في مجتمعاتنا العربية.

مطالب المرأة السعودية وتجاوب السلطة معها

مطالب المرأة السعودية متعددة، ولكن أهم مطلبين طرحا هما موضوع العباءة وقيادة المرأة للسيارة، وقد تجاوبت السلطات بالفعل مع الموضوعين، لكنها لم تسن قوانينًا واضحة لمن تُحرَم من ممارسة هذه الحقوق المكفولة في النظام السعودي، فمع الأثر الإيجابي الكبير للسماح بقيادة المرأة على النسويات المطالِبات بها ونساء الشعب اللاتي تنعمن بهذا الحق، فالمشكلة أنّ السلطات تعدت على النسويات ذوات الفضل في العمل لأجل قرار القيادة بأن اعتقلتهن تعسّفيًّا ومارست عليهن مختلف الانتهاكات من التعذيب والتحرش والإخفاء القسري، ما يجعلنا نتساءل: هل الحكومة السعودية إصلاحية فعلًا أما أنها استغلت هذا الموضوع للتغطية على انتهاكاتها السابقة والمستمرة بحقّ كلّ صوت يطالب بحقّه؟ 

شخصيًّا، كنت و مازلت سعيدة جدًّا بهذا القرار فقد كان حلمًا لي وللكثيرات، وإثارته هنا لا يمكن أن تمرّ دون تثمين مجهود كل امرأة رفعت صوتها وطالبت ولم تتراجع، وكل امرأة عذبت وسجنت بسبب مطالبها، وأما بالنسبة لموضوع العباءة فليس من قانون صريحٍ ينصّ بحرية ارتداءها من عدمه، فرغم ذكر محمد بن سلمان أن ارتداء العباية حرية شخصية إلا أننا رأينا فتيات اعتقلن بسبب خروجهن للأماكن العامة دون عباءة، وأخريات يمارسنها بالخفاء، ويضاف إلى ذلك المخاطر التي تلوح حولهن في حال معرفة ذويهن بما يفعلن وهن يعلمن أن القانون والقضاء لن ينصفهن بدعوى أن العباءة أساس في الدين رغم اختلاف الروايات حول ارتداءها، والقانون فيما يتعلق بقضية العباءة، مثلها مثل قضية قيادة المرأة للسيارة، يفتقر للتوضيح وما زالت هذه القوانين فيها شوائب تسمح بالتعدي على المرأة وقرارها وحريتها أو حتى تطبيقها للقانون.

ورغم الترويج الإعلامي لمحمد بن سلمان كقائد للإصلاح والانفتاح في المجتمع السعودي، فهو لم يحسّن من وضعية المرأة، فالمناصب التي وُلّيت للنساء في الدولة لم ولن تكون متاحة للجميع، بل لطبقة معينة ومحددة هي المستفيدة من هذه الامتيازات، أما البقية فيبقى الحال كما هو، فهدف بن سلمان أو استثماره الوحيد يبدو مقتصرًا على تلميع صورته والترويج لنفسه في أوساط المجتمع وحول العالم على أنه المصلح المجدد، ولم تكن غايته تطوير واقع المرأة السعودية، ولنا دليلٌ واضحٌ على توجهه وضبابية رؤيته في التكتم على الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها وإخراس كافة الأصوات المطالبة أو المعارضة والاعتقالات التي تطال النشطاء.

لكن ما ورد لا ينفي ما يرد، فلا ننكر أن الحياة في السعودية تغيرت بالفعل، لكننا حين نتكلم عن وضع المرأة الحالية في القانون السعودي، فلم يتغير الكثير ولعلنا نحتاج للمزيد من القوانين الواضحة والصريحة التي تكفل المساواة في الحقوق المدنية وما زال أمامنا الكثير. نعم الحكومة أقرت قانون القيادة وقانون السفر لكنها لم تحمي النساء في حال تعرضن للتعذيب أو الاخفاء أو تلفيق تهم التغيب والعقوق كطريقة لليّ ذراع المرأة السعودية، ورغم ذلك ما زالت المرأة تطالب بحقوقها. فحقيقة أنها غير محمية في القانون يحتاج للمزيد من التغيرات. 

تحتاج الدولة للاستماع إلى النساء في السعودية حيث أن الحراك النسوي السعودي حراك سلميٌّ وواعٍ وسيسهم في تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية، خصوصًا إذا ماخذنا بالاعتبار الثغرات القانونية التي تسمح بالتعدي على المرأة وامتلاكها من قبل رجال القبيلة أجمعين وانعدام استقلاليتها في قرارها وخياراتها، حيث يجب على الحكومة أن تبدأ بالاستماع والتجاوب للمطالبات النسوية كونها تخدم المجتمع وتحقق أهم مبدأ في حقوق الانسان، وهو مبدأ المواطنة، وكذلك لا بد للحركات النسوي من ممثلات منتخباتٍ يكنّ على تواصل بالحكومة وأجهزتها لتمرير مطالب المرأة السعودية والمساعدة في سن قوانين مدنية تكفل الحقوق والواجبات.