المجتمع المدني هو ضابط العلاقة الطبيعية بين الدولـة والمجتمع، وبصفته جزءًا من منظومة الحكم الدستوري، التي تتكون من عناصر ضمانات حقوق الناس في الشورى الشعبية التي هي ضمان قيام السلطة النيابية والقضاء المستقل.
ويتضمن المصطلح المدني هو أن تتقرر في الثقافة السياسية والاجتماعية التي تحكم الدول على أساسها، حقوق الإنسان، التي عرفتها الطبائع الفطرية، وأكدتها الشرائع، كحق الناس في الغذاء والسكن والتعليم والعلاج والعمل، وحقهم في الحرية السامية والكرامة والمساواة والعدالة، وسائر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية والسياسية وأن يضمنها القضاء المستقل، وأن تقوم العلاقة بين الحاكم والأمة على التعاقد والتراضي، بأن يستمد الحاكم سلطته من كونه (وكيلًا) عن الأمة، لا (وكيلًا) عليها، فتقوم الدولة بحفظ حريات الناس السامية وحقوقهم، في التساوي والعدالة والكرامة، ويقوم الناس بطاعتها، على هذا الأساس.
هذا المعنى يؤكد أن تكون الدولة تجسيدًا لإرادة مواطنيها، وهذا هـو الشرط الأول وفي مفهوم قيام النظام الدستوري. ليس المجتمع المدني ضد الدولة، ولكنه ضد (دولنـة) المجتمع، ضد وصاية الدولة عل المجتمع، ضد المقولة الشايعة: «ولي الأمـر أدرى بالمصـلحة» أي ضد استفراد الدولة بالقرار، والمجتمع المدني هو الذي تظهر فيه تجمعات أهلية تعبر عن رأي المجتمع فلا تكون الدولة في مصلحة الناس، بل يكون الناس هم الذين يقررون ماهي مصلحتهم، وتقوم الدولة بتنفيذ إرادتهم.
عند رؤية وظيفة تجمعات المجتمع المدني، يتبين أنها هي الآلية التي تضمن أن تكون الدولة شورية، أي أن لا تكون الدولة فاشية ونازية، الذي تحول فيه المواطنين إلى مسامير في عجلات قطارها، الذي داس الشعب من كافة الشرائح والفئات. إن قوة استقلال التجمعات المدنية عن الدولة، هي الضمان لحقوق المواطنين أفرادًا ومجتمعات، والضامن الذي يحمي الدولة من الاستبداد الذي يسوقها في منحدر الفساد والخراب.
وأخيرًا أن المجتمع المدني هو مجتمع الأحرار المتساوين بالحقوق والواجبات، وأن المجتمع المدني هو نقيض المجتمع الطاغوتي الذي تقوم فيه العلاقة بين الحاكم والشعب وكأنه علاقة السيد والعبد أو المالك والمملوك.