مقالات

مُتّكأ | معارضة أو إصلاح

الكاتب/ة يحيى عسيري | تاريخ النشر:2021-04-25

في ديسمبر 2017 وقبل إطلاق مؤتمر المهجر الأول، اتصل بي العزيز جمال خاشقجي رحمه الله وقال، “يحيى أرجو ألا تكون مشاركتي في المؤتمر ستصنفني كمعارض، أريد أن أبقى إصلاحي، صحفي، ولكن لا أريد أن أوصف كمعارض، أرجوك”. اختلفت مع جمال رحمه الله في مخاوفه من كلمة “معارض”، ودار نقاش بيننا انتهى بقوله “صحيح اتفق معاك ولكن الكلمة ثقيلة عليّ وفق المفهوم المحلي لها”. تذكرت أنني قد سمعت هذه الكلمة عدة مرات، دائمًا ما تتكرر “الواقع كذا، ولكننا سنفعل كذا نزولًا عند فهم الناس”، وينساق ذلك على أمور كثيرة، ليس فقط معنى المعارضة وما تحمله من تبعات ومعاني في مجتمعنا، بل غيرها الكثير، حتى أن كثير من المصطلحات وخاصة السياسية منها تُفسر في عالمنا وتفهم بطريقة مختلفة عما هي عليه في أكثر دول العالم، فهل علينا أن نتعامل مع هذا الواقع باستسلام له، وبرضوخ لتعريفات قدمها الاستبداد أو اخترعها الجهل ثم نشرها وطبعها في المجتمع؟ أم أن علينا أن نعيد تعريف هذه المصطلحات دون خوف من شيطنة المجتمع أو بعضه، ونجتهد في إنفاق بعض الوقت في توعية الشارع ودعمه معرفيًا بدل مداهنته والرضوخ لما فرض عليه، فنكون نحن معه رهائن للاستبداد، ورأيه وللجهل وما يرسخ؟

علينا ألا نخشى ما يخشاه الشارع إذا لم يكن لديه مبرر حقيقي للخشية، بل علينا أن نتحمل مسؤوليتنا في التصحيح والتصويب ودفع المجتمع للدور الذي يجب أن يقوموا به، فوجود سلطة في أي مكان ضامنة عدم وجود معارضة يعني بالضرورة انفلات من الرقابة ومن المحاسبة، والرقابة والمحاسبة تعني بالضرورة السماح بقول “لا” وقول “هذا خطأ” عندما يرى المراقب والمحاسب خطأً تقوم به السلطة، وهذا ليس في المجال السياسي فقط، بل فيما هو دون ذلك بكثير، من يضمن عدم وجود المراقبة والمحاسبة قد يرتكب الخطأ ثم لا يجد من يعترض عليه ولا من يصحح له، وإذا كان الاعتراض والتصحيح ممنوعًا وعقوباته قاسية فإن صاحب الخطأ قد يرتكب من الفظائع الكثير دون أن يشعر بقبح فعله، كمن كسر كل المرايا حتى لا يرى وجهه الملطخ، ولا يريد أن يسمع رأي الناس ولا نصحهم ولا تصحيحهم، ويستمر الحال حتى يتحول كل من حوله إما مادح أو صامت خائف، فكيف يتم التصحيح؟

كيف يتم التصحيح في بلدنا وكيف يبدأ الإصلاح وكل منهم على سدة الحكم لا يسمحون للشعب بالمشاركة في إدارة بلادهم، وكأن هذا الشعب لا علاقة له بهذا البلد، ولا يسمحون لهذا الشعب أيضًا حتى أن يقول رأيه في طريقة إدارة بلده، ثم تمادوا أكثر فمنعوا على هذا الشعب أن يعترض أو حتى يشتكي وهو يعاني، ثم قدموا كل من يمدحهم ويشكرهم وأكرموه من خيرات البلاد، وحرموا وعاقبوا كل من ينتقدهم، فمنحوا لأنفسهم قداسة وجعلوها فوق منزلة البشر (الشعب)، ثم بعد أن حاربوا رأي الناس وحريتهم في قول كلمتهم أسرفوا في الفساد والاستئثار بأموال البلاد لأنفسهم وكأنها ملكهم، وأسرفوا بعدها في قمع الناس وظلمهم، ثم أسرفوا في إهمال البلد، فأصبحنا في ذيل قائمة الدول في الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والاختراع والحريات وغيره، وأصبح المواطن يشتكي الحاجة المادية وهو فوق كنوز الأرض، ويشتكي في كل تفاصيل حياته دون أن يجد من ينصفه أو كيف يصرخ إلا عبر معاريض لا تتجاوز سلة المهملات، ويُجبر على الصمت والشكر، ويزداد تقدم العالم في كل المجالات، ويزداد وطننا تخلفًا وتراجعًا ويزداد القمع والفقر والفساد، فهل يحق لنا أن نعترض؟ أم لا زالت المعارضة محرّمة وتحمل في طياتها ما يُوحي بالريبة ووجوب الهروب من العبارة؟

في المقالات القادمة سنكمل حول المعارضة وضرورتها وفوائدها وما الذي يجب فعله وكيف. إلى ذلك الحين، كونوا بخير، وتذكروا أن المعارضة في ظل وجود القمع والفساد والتخلف هي بوابة الإصلاح.