مقالات

متّكأ | من فوائد المعارضة

الكاتب/ة يحيى عسيري | تاريخ النشر:2021-04-15

بعد الحديث في المقالات السابقة عن دواعي المعارضة ومعناها، نسأل عن فوائدها، وخاصة في بلاد كبلادنا، في وجود ثلاثي القمع (الظلم) والفساد والتخلف، يستشري الفساد ويحميه القمع فيشكلان بيئة خصبة للتخلف، فلا يسلم الوطن ومقدراته، ولا المواطن وحقوقه، ولا الأجيال ومستقبلها، وتمنع المعارضة وتشيطن، ويُخيل للناس أن المعارضة قد تقوض الاستقرار وتجلب الفوضى، فيتّهم المعارضين بتقويض الأمن العام، والإخلال باللحمة الوطنية، وتعطيل عجلة التنمية، ويهدد الشعب أنه في حال معارضته فإن مصيره سيكون كمصير تلك الشعوب التي انقض عليها مستبدوها فأدخلوا بلدانهم في حروب أهلية وصراعات ومجاعات وتدخلات خارجية، ملحقين اللوم بالشعوب ومعارضاتها لا بالسلطات وقمعها وتدميرها، فما هي فوائد المعارضة إذًا.

لعل من أول فوائد المعارضة تطبيع المعارضة ذاتها، ليعلم الناس أن المعارضة أمر طبيعي يجب أن يكون، بل وجوده مفيد ومهم، فوجود المعارضة وانتشارها، وخاصة الواعي منها، ينقض قول كل مستبد بخطرها، ويبدد أكاذيب الاستبداد، وبعد تطبيعها وقبولها من الشعب يتقوى موقفها وموقف الشعب، ويتطور حتى يصل لخير مراتب المعارضة، التي تعمل ليس من داخل البلاد بأمن فقط، بل من داخل مؤسسات الدولة ومن تحت قبة البرلمان وتحت غطاء دستوري، تنافس السلطة على صوت الناس ورضاهم، وتعزز مؤسسات الدولة ودورها، كما ذُكر ذلك في المقال الفائت.

ومن أهم فوائد المعارضة وجود رأي آخر، الرأي الآخر يُسمَع عبر مؤسسات الدولة، أو عبر الإعلام الحر، أو عبر أصوات الناس ومؤسساتهم الحرة في البلدان المتقدمة المتسامحة مع الرأي الآخر، أما في البلدان القمعية والمستبدة المتخلفة، فيجب أن يشق هذا الرأي طريقه للناس، عبر المجالس المغلقة، أو عبر التضحية بالصدع بهذا الصوت وبمخاطرة، أو عبر البحث عن أماكن آمنة في هذا العالم يمكن من خلالها الحديث للناس وإيصال هذا الرأي الآخر لهم، فيقوم هذا الرأي الآخر بإحداث التوازن اللازم والضروري لكل المجتمعات، فحينما تنشر السلطات راوية كاذبة فإن دور الرأي الآخر تفنيدها، وعندما تخفي السلطات حقيقة فإن دور هذا الصوت كشفها، وعندما تكرس مفاهيم مضرة كالكراهية والعنصرية والطائفية والإقصاء وغيرها، فإن دور الصوت الآخر مقاومتها وتعزيز ضدها، تعزيز العدل والتسامح ونحوه، وبهذا نضمن أن السلطات بأخطائها ونيتها السيئة للسيطرة على البلاد ومقدراتها والناس ورأيهم وتفكيرهم، نضمن أنها ليست وحدها، وأن هناك من يقاومها، وهذه فائدة عظيمة من فوائد المعارضة.

ومن فوائد المعارضة إعطاء فرص للإصلاح لمن أراد ذلك، فكل صاحب سلطة لديه الفرصة للاستماع للمعارضة من أجل تقويم ذاته، وإصلاح أخطائه، ونيل رضى الناس والتقرب لهم، هذا إذا توفرت الإرادة لديه لذلك، ومن تتوفر لديه الإرادة فإنه من الصعب عليه إن لم يكن من المستحيل أن يستطيع الإصلاح والبناء دون أن يكون لديه من يعارضه إذا أخطأ، فكونه بمنأى عن المراقبة والمساءلة، وبمنأى عن النقد إذا ارتكب الأخطاء، فكيف يعرف سوء قراراته، وكيف يدرك خطأه، دون أن يعارضه أحد في تلك الأخطاء.

ومن فوائدها أيضًا رفع الوعي لدى المجتمع، فبدل أن يسمعوا رأيًا واحدًا وصوتًا واحدًا، ويتمكن منهم هذا الرأي وهذا الصوت، فإن المجتمع يسمع آراء متعددة، تسمح له بالاختيار بينها، والترجيح بين اختياراتها، والاقتراب أكثر من معرفة الصواب من الخطأ، ومعرفة الأصوب والأفضل والأقوم والأنفع، وقد يضطر صاحب السلطة للدخول في حوار ولو بشكل غير مباشر لتفنيد حججها، فيتهيأ للناس حوار غير مباشر يرون فيها تغالب الأفكار والمشاريع والبرامج، ولو أن ما يكون من جانب المعرضة في البلدان المستبدة يواجه بالتخوين والشيطنة، ويواجه من يدعمه بالقمع والبطش، إلا أن وصوله للناس وعرضه عليهم كفيل برفع وعيهم وايضاح الحقائق.

لا يسع مقال أن يحصي فوائد المعارضة، ولكن وجودها بلا شك معزز للأوطان، ودعم للحقوق، ونافذة للسلطات وللناس لسماع آراء أكثر، آراء أكثر تعطي خيارات أكثر، وكلما تطورت بلاد تطورت طرق استفادتها من المعارضة، وكلما تقدمت دول كانت المعارضة مع الحكومة همها الأول إرضاء المجتمع، وتعزيز قيمه ودعم حقوقه والبحث عن رغباته، ولكن المستبد لا يهمه أيًا مما سبق، ولا يريد أن يريكم إلا ما يرى، وبالتأكيد فإنه لن يهديكم سبيل الرشاد.