في ردة فعل على اليأس، يتحول استخدام المخدرات من هروب بسيط إلى أداة للتمرد واستعادة الاستقلالية والسيطرة على الإرادة في بيئة صُممت للقضاء عليها. أزمة المخدرات داخل المرفق لا تُبرز فقط التيارات الاقتصادية التي تنشئ باستمرار، بل تظهر أيضًا مدى تكيف الأفراد مع واقعهم القاسي. هنا، يمثل استخدام المخدرات جانبًا متناقضًا من السلوك البشري في الأسر: البحث عن الحرية أو السيطرة على الإرادة بأي وسيلة، حتى لو أدى ذلك إلى المزيد من السجن. يناقش كينير ووانغ (2014) في دراستهم "الحالة لنهج متميز في سياسة المخدرات في بيئات السجون" هذا الموضوع، قائلين:
"استخدام المخدرات في الاحتجاز يمثل غالبًا تفاعلاً معقدًا بين التكيف مع بيئة قمعية وتأكيد الحرية الشخصية في بيئة تهدف بشكل منهجي إلى إزالتها تمامًا."
هذه الكلمات تعكس كيف يصبح استخدام المخدرات ثورة ضد السيطرة المؤسسية، على الرغم من أنه مدمر للذات والجسد، مؤكدًا على الحاجة البشرية للسيطرة على الحياة، تمكين الإرادة، ورفض الخضوع للقهر، بغض النظر عن صعوبة البيئة.
في هذه المؤسسات، يتم التعامل مع أزمة المخدرات بنهج أمني شامل، حيث تفرض إدارة الأمن قيودًا صارمة على العلاقات الاجتماعية، الزيارات، وتجري غارات تفتيش مفاجئة، محكمةً السيطرة على كل تفاصيل حياة المحتجزين. هل تجعل هذه التدابير العالم أكثر أمانًا، أم تزيد من الشعور بالعزلة واليأس ضد الأفراد؟ منح رجال الأمن سلطة مطلقة للتعامل مع هذه القضايا بشكل مستقل يضعهم في موقف صعب، حيث يعتمدون على التدابير العقابية أو القيود الصارمة أو العنف مما يعرضهم للمسائلة. و في جميع التجارب السابقة، لم تنجح الحلول الأمنية وحدها في علاج الإدمان دون دعم نفسي وصحي وإعادة بناء الهوية. ما تحتاجه مراكز الاحتجاز هو الثقة بدلاً من الأسوار، ومشاركة أوسع لخبراء من المجتمع المدني الذين يمكنهم إعادة بناء وتأهيل النفوس المكسورة، مساعدة الأفراد على التغلب على الإدمان.
من هذه الملاحظات، نستنتج أن البيئة في مركز احتجاز Busmantsi قد تزرع بشكل غير مقصود السلوكيات التي تسعى لقمعها. هذا يفتح مجالًا للتساؤلات الفلسفية حول العدالة والكرامة البشرية. تدعو فلسفة العدالة التصالحية إلى نظام يسعى للشفاء بدلاً من العقاب. على عكس ذلك، تشير الظروف في سجن Busmantsi إلى نهج عقابي يعزل بدلاً من أن يدمج أو يشفي، طارحًا أسئلة أخلاقية حول سلب حرية طالبي اللجوء تحت مسمى العدالة الإدارية المطلقة.
تفكيك "القفص الحديدي"
في آليات احتجاز الهجرة وسجن اللاجئين، يبرز تناقض بين نوعين من العدالة: التصالحية والإدارية. هذا التناقض يعود إلى نقص في التفكير الفلسفي قبل التشريع القانوني. في العدالة التصالحية، تسعى السلطات إلى إصلاح العلاقات البشرية والمجتمعية، مركزة على شفاء الأفراد من خلال الاعتذار، التعويض، وإعادة التأهيل. كما يوضح هوارد زيهر:
"العدالة التصالحية ليست عدالة جديدة أو بديلة، بل هي التركيز على جوانب تُهمل تقليديًا في نظام العدالة: الضحايا، المجرمون، والمجتمع."
هذا النهج ينظر إلى الأفراد كبشر يحتاجون إلى فرصة للإندماج الاجتماعي بدلاً من العقاب أو الاحتجاز. في المقابل، تتعامل العدالة الإدارية -خاصة في شكلها المطلق- مع الأفراد بناءً على وضعهم القانوني، مهملةً الجوانب الإنسانية والتأهيلية. تبرر السلطات هذا النهج بأنه ضروري للأمن القومي أو ضبط الهجرة، لكنه يتجاهل احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، وحقوقهم القانونية، على الرغم من أنهم بريئون أو غير مدانين. واتسائل هل هذا استخدام عادل للسلطة؟ أم توجيه عادل لقوة الدولة؟
في بلغاريا، يحاول بعض القضاة -رغم قلتهم- تعزيز العدالة التصالحية من خلال قراراتهم. مثال ذلك هو القاضية فلاديسلافا تساريغرادسكا، التي تدافع عن قرارات تحمي الضحايا والمتهمين وتسعى لتكاملهم الاجتماعي بعد المحاكمة أو السجن، محاولةً إيجاد توازن بين الجانب الإنساني والجنائي. وهنا تبرز مفارقة قوية عند النظر للنظام العقابي في سجن Busmantsi حيث يعاني المحتجزون من تطبيقات عقابية تهمل مبادئ التصالح والتأهيل. هذا يعكس فلسفة ألبرت كامو التي تدعو إلى توازن بين الحرية والنظام.
تعني هذه الممارسات أن القرارات التي تحرم طالبي اللجوء من حريتهم تنظر إليها من خلال عدسة الأمن القومي، غالبًا دون تهم أو فرصة للدفاع القانوني، مما يهمل الكرامة الإنسانية والحق في المحاكمة العادلة ما يذكرنا بمقولو فريدريك باستيا: "الدولة هي الكيان الذي يحتكر استخدام العنف بشكل قانوني."
لذلك، يتطلب الوضع في Busmantsi تفكيرًا جذريًا حول نظام العدالة. يجب أن تكون مراكز الاحتجاز أماكن للتحول، تدمج التعليم، الإبداع، والدعم العاطفي، لتتحول من أماكن لليأس إلى بيئات للنمو والكرامة.
يتحدانا الوجود في Busmantsi للعثور على توازن حيث لا تُضحى بالحرية أو بالعدالة لصالح المؤسسات أو الأجندات السياسية. كما يؤكد كامو أنه "لتكون الفكرتين مثمرتين، يجب على كل منهما أن تجد حدودها في الآخر"، ما يدعو إلى نظام عدالة يحترم الروح الإنسانية وحقوق الإنسان. هناك حاجة ملحة للتفاعل الاجتماعي، حيث يمكن للجهود الجماعية من مختلف القطاعات أن تفكك الهياكل القمعية، موفرةً بيئات من الدعم والفهم. نحن بحاجة إلى مجتمع يتعلم من أخطائه، يعمل على ترميم ما أفسده، ويعطي فرصًا جديدة للأفراد وللمجتمع ككل.
أدعو إلى تأمل في القيم الاجتماعية، محثًا على إعادة تعريف النهج في التعامل مع اللجوء والاحتجاز، ليس فقط من منظور الأمن بل من وجهة نظر تحافظ على الكرامة الإنسانية وتعززها. من خلال هذه الرؤية، نبدأ في تفكيك القفص الحديدي الذي يحدد تجربة اللجوء، متجهين نحو مستقبل حيث تتوازن العدالة بين الحرية والنظام، وفقًا لمثل كامو.