أخبار

خطة ترمب لغزة تقوض آمال التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"

تاريخ النشر:2025-02-09

قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يسعى الآن لتحقيق هدفه الطويل الأمد بضم السعودية إلى اتفاقات أبراهام لعام 2020، التي أسست علاقات رسمية بين إسرائيل وأربع دول عربية، لكنه ربما أضر بفرصه بشكل كبير.
وأضافت في تقرير لها أن اقتراح ترامب بنقل جميع الفلسطينيين البالغ عددهم مليوني نسمة من قطاع غزة، ثم إعادة بناء القطاع ليصبح "ريفيرا الشرق الأوسط"، إلى إثارة غضب بعض الأطراف التي يحتاج دعمها لإتمام الصفقة –في إشارة إلى صفقة تطبيع السعودية مع الاحتلال الإسرائيلي-.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب أشاد باتفاقات أبراهام لعام 2020، باعتبارها واحدة من أكبر إنجازات سياسته الخارجية خلال ولايته الأولى.
وأشارت إلى أن الدول العربية رفضت على الفور فكرة نقل الفلسطينيين ، بما في ذلك السعودية، وأصدرت المملكة بيانًا فجراً بعد أن طرح ترامب الاقتراح في 4 فبراير/شباط 2025، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، وأكدت تمسكها بمطلبها بضرورة إنشاء دولة فلسطينية أولًا قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقالت الصحيفة إن وزارة الخارجية السعودية أوضحت في بيانها في 5 فبراير أن هذا الشرط، الذي أصرت عليه الرياض منذ أكثر من عام، “غير قابل للتفاوض أو التنازل”.
وأضافت أن البيان يتناقض بشكل مباشر مع تصريح ترامب، الذي قال للصحفيين في واشنطن إن السعودية أسقطت هذا الشرط، وقال أحد كبار أفراد العائلة المالكة السعودية إن ما يقترحه ترامب يعادل "تطهيرًا عرقيًا" لغزة. 
ورأت الصحيفة، أن ترامب لم يحصد سوى الشك والغضب في الدول العربية، ولم تفلح جهود الإدارة الأميركية في تهدئة الموقف، مؤكدة أن قول وزير الخارجية ماركو روبيو إن نقل سكان غزة سيكون "مؤقتًا فقط"، لم ينجح في تبديد المخاوف العربية.

وأشارت إلى أن قضية إقامة دولة فلسطينية تحتل مكانا مركزيا في الجدل بشأن اقتراح ترامب بشأن غزة ويعتبر الكثير من العرب تهجير الفلسطينيين أمرا مرفوضًا تمامًا لأنه يقوض آمالهم في إقامة دولة مستقلة.
وذكرت الصحيفة بأن مصر والأردن، الدولتان اللتان اقترح ترامب إمكانية إقناعهما باستقبال سكان غزة، أكدتا بشكل علني أنهما لن تقبلا أبدًا بعملية تهجير جماعي للفلسطينيين. 
ولفتت إلى أن مسؤولين وصحفيين ومحللين في البلدين قالوا إن التاريخ واضح في هذا الشأن: عندما يُجبر الفلسطينيون على مغادرة منازلهم، لا يُسمح لهم بالعودة.
وأوضحت أن الدولتين استقبلتا الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية منذ اندلاع الحرب في غزة، فقد قبلت مصر ما لا يقل عن مئة ألف حالة إجلاء طبي وأشخاص فروا من القطاع المجاور، بينما يعالج الأردن، الذي ينحدر جزء كبير من سكانه من أصول فلسطينية، عشرات المصابين من غزة.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي المصري المقرب من الحكومة عبد المنعم سعيد علي، قوله إن المشاركة في أي تهجير قسري أو دائم للفلسطينيين من القطاع ستكون "كارثة أخلاقية وقانونية، وسيكون من الصعب على الحكومة السعودية القبول بأي اتفاق لا يلبي تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولتهم نظرًا للدعم الشعبي الواسع للفلسطينيين في السعودية.
وقال إن الغضب الشعبي في المملكة بسبب الحرب، والآن بسبب اقتراح ترامب بإخلاء غزة، أدى إلى تعقيد احتمالات إتمام صفقة مع إسرائيل كانت بالفعل صعبة التحقيق.
وذكرت الصحيفة بأن بعض التفاؤل الحذر ساد بإمكانية إحراز تقدم نحو تطبيع سعودي-إسرائيلي قبل أن يتولى ترامب فترة رئاسية ثانية، فقد تم التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحركة حماس عشية تنصيب ترامب في 20 يناير، كما أن الرئيس الأميركي الجديد كان يتمتع بعلاقة عمل جيدة منذ سنوات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، لكن يبدو أن بعض التوترات بدأت تظهر الآن في هذه العلاقة.

وقال الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق والسفير السابق لدى الولايات المتحدة، لشبكة CNN يوم الأربعاء إن ترامب “سيسمع كلامًا قاسيًا من القيادة هنا”، ليس فقط بشأن عدم حكمة ما يقترحه، ولكن أيضًا حول ظلم “التطهير العرقي”.
وارتدى الأمير تركي كوفية فلسطينية بالأبيض والأسود بدلًا من غطاء الرأس الأبيض التقليدي كأنما يحاول التأكيد على موقفه. 
وكانت الحكومات العربية الأربع التي وقعت على اتفاقات أبراهام - الإمارات والبحرين والمغرب والسودان - قد فعلت ذلك رغم الانتقادات بأنها تتخلى عن المطلب العربي الأساسي لعقود، وهو إقامة دولة فلسطينية.
ووصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس قيام البحرين والإمارات بالتوقيع  على الاتفاقيات،  بأنه “طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني”.
ومن غير المرجح أن يقبل الشارع العربي أي تنازلات مماثلة الآن بعد 15 شهرًا من الحرب في غزة، في ظل معارضة الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو بشكل قاطع لإقامة دولة فلسطينية.
وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في تصريحات نقلتها إذاعة الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي: “إذا كان تطبيع العلاقات مع السعودية يعتمد على إحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية ولو بمقدار مليمتر واحد، فلن يحدث التطبيع.. انتهى". 
ولم تكن السعودية جزءًا من التوقيع التاريخي لاتفاقات أبراهام، ولكن عندما توسع الاتفاق ليشمل المغرب والسودان، وصف ولي العهد السعودي إسرائيل بأنها “حليف محتمل” في مقابلة مع مجلة The Atlantic عام 2022.
وفي سبتمبر 2023، أصبح ولي العهد أول زعيم سعودي يناقش علنًا إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل مقابل اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة ومساعدات لتطوير برنامج نووي مدني. ولم يذكر آنذاك الدولة الفلسطينية كشرط أساسي.
وقال ولي العهد في مقابلة مع فوكس نيوز في ذلك الوقت، إن مثل هذا الاتفاق سيتطلب “حياة كريمة للفلسطينيين”. 
وكانت تلك المؤشرات حينها تدل على أن السعودية قد تكون مستعدة لتخفيف موقفها من اشتراط إقامة دولة فلسطينية قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ثم جاء الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1,200 شخص، وأعقب ذلك حملة عسكرية إسرائيلية استمرت 15 شهرًا، أسفرت عن مقتل أكثر من 46 ألف شخص في غزة، وفقًا للسلطات الصحية المحلية، التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين، وقد دمرت الحرب القطاع المكتظ بالسكان والذي يعاني من الفقر.
وقد غيرت الحكومة السعودية نبرتها منذ اندلاع الحرب، مؤكدة أن المنطقة بحاجة إلى أن تكون على مسار لا رجعة فيه نحو إقامة دولة فلسطينية.
وقال الأمير خالد بن بندر، السفير السعودي لدى المملكة المتحدة، أواخر الشهر الماضي: “لدينا بعض الخطوط الحمراء، وإنهاء 75 عامًا من الألم والمعاناة الناجمة عن مشكلة واحدة يجب أن يشمل إقامة دولة فلسطينية". 
ومن المحتمل أن يكون ترمب والقيادة السعودية قد طرحا موقعهما من المسألة باعتبارهما يطرحان مواقف قصوى كنقاط انطلاق في مفاوضات، وقد يتحولان لاحقًا نحو تسوية وسط.
وأصيب العديد من الأشخاص في الدول الأربع التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بالصدمة من الحرب في غزة، وخرجوا في احتجاجات علنية ضد الاتفاق. 
ورغم أن حرية التجمع والتظاهر لا تزال مقيدة بشدة في البحرين، فقد سمحت الحكومة بتنظيم الاحتجاجات.
وعلى الرغم من أن مصر والأردن تربطهما معاهدات سلام مع إسرائيل منذ عقود، إلا أن الرأي العام في البلدين لم يرحب أبدًا بإسرائيل، وقد توترت العلاقات بشكل كبير بسبب الحرب.
وقال مسؤولون مصريون لدبلوماسيين أجانب في القاهرة هذا الأسبوع إن رفضهم لتهجير سكان غزة لا يزال ثابتًا كما أكدوا في تصريحات علنية، أن تركيز مصر ينصب على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين هناك.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان يوم الخميس: “تؤكد مصر رفضها التام لأي اقتراح أو مفهوم يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال الاقتلاع أو التهجير من وطنهم التاريخي والاستيلاء عليه، سواء كان ذلك مؤقتًا أو دائمًا.”

وأشار محللون سياسيون مقربون من الحكومتين في مصر والأردن إلى أن قادة البلدين سيحاولون إقناع ترامب بقبول خطة بديلة لإعادة إعمار غزة تشمل تقديم المساعدات والمساهمة في جهود التعافي.
وقال خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقرب من الحكومة: “لطالما كانت مصر والأردن منخرطتين في القضية الفلسطينية تاريخيًا، ويجب أن تكونا جزءًا لا يتجزأ من أي حل.. لكن ليس الحل الذي يقترحه ترامب".