يحتم الدور التقليدي للمعارضة السياسية في أي نظام السياسي وجود مجال وآلية عمل لها دستوريتها، فحتى في الأنظمة الاستبدادية ذات الشكل شبه الديمقراطي، مثل مصر أوالكويت أوالسودان، يبقى عموم مجال لعمل المعارضة أوالمجتمع المدني حتى لوقُيِّد بأشكال متفاوتة.
لكن ما العمل في أنظمة يطال تجريمها وقمعها حتى التعبير الفردي عن وجهات النظر لا تتطابق مع توجه السلطة، مثل الأنظمة الملكية المطلقة في الخليج عمومًا، والسعودية خصوصًا.
إذا كان الملعب السياسي وأدوات اللعبة السياسية التي صنعها المستبد مفصّلةً على مقاس المستبد وشهواته، يجب على المعارضة أن تعمل على تعديل قواعد اللعبة باللعب خارج المساحة المحددة لها وبأدوات لا يسمح بها النظام حتى ترفع من تكلفة وجودها خارج اللعبة السياسية، وتجبر النظام على إدخالها في المسرح السياسي وبآلية توافقية تضمن حدًّا أدنى من الحرية والعمل على تأسيس مجتمع مدني بالداخل قادر على الإصلاح السياسي المرحلي حتى ينتهي بإنهاء آخر معاقل الاستبداد.
ولكن يتحتم علينا أولاً فهم واستيعاب مناطق ضعف النظام غير المستهدفة وقوى المعارضة غير المستغلة.
فلا يخفى على أحد الانتشار الجغرافي الواسع للنشطاء وكثرة المواطنين الساكنين بالخارج والأجانب المتعاطفين مع المعارضة والنشطاء في قضيتنا، قضيةُ الخلاص من الاستبداد. ويضاف على ذلك عدالة قضيتنا، ولنا في جنوب أفريقيا ونظام الفصل العنصري عبرة، فجميع الأنظمة الديكتاتورية تحاول أن تظهر بمظهر النظام الديمقراطي أو المتصالح مع شعبة والمحترم لحقوق الإنسان حتى لو خالف واقعها، فكيف بنظام ملكي مطلق في القرن الواحد والعشرين؟
يتحتم علينا كذلك خلق تحالفات وتكتلات سياسية تعمل بشكل جماعي ومؤسساتي وتتبنى مشاريعها الخاصة وتخلق سردية مختلفة عن التي يروج لها النظام، فقد انتهى زمن مشروع الفرد الواحد والاكتفاء بردات الفعل على الأفعال المشينة للسلطة.
ولا بد من ممارسة دور المعارضة التقليدي، من خلال رصد وتحليل ونقد كل خطوات النظام وبأقبرانها ببدائل ذات شعبية لمنافسة السلطة في توجيه الرأي العام واختيار القضايا المطروحة في الشارع، فعندما تقول السلطة أن مشكلة البطالة هي بسبب الأجنبي، نقول لا بل هي بسبب عدم وجود حدٍّ أدنى من الراتب ونظام عمالي يسمح بالتمييز العنصري بين المواطن والأجنبي ويغرق البلد بالعمالة الرخيصة. ويدعونا ذلك للاستماع لأصحاب الشأن وهموم الشارع الحقيقية، التي في أغلبها اقتصادية، وربطها بآليات التأثير السياسية كالبرلمان الشعبي مثلًا.
لا يوجد من يحكم بذاته فكل مستبد مهما اشتد استبداده يحتاج لمن يقف معه ويدعم تأييده وهذا أكثر وضوحًا في الأنظمة الملكية، لذلك يجب استهداف مصالح السلطة المستبدة وقياداتها ومشاريعها وأفراد العائلة الحاكمة في كل مكان.
ختامًا، وجود المعارضة في الخارج هي مرحلة يتبعها العودة لأرض الوطن أو تخفيف الضغط على منهم في الداخل ليبدأ نضال سلمي آخر ولكن من الداخل، ولتتحقق هذه الاستراتيجية يتطلب منا أن نكون أكثر إزعاجًا ومنافسة للسلطة في كل المحافل الدولية والبرلمانات الوطنية.