في هذا الوطن المليء بالخير والفرص أصبح السؤال عن الوظيفة أقرب إلى إعلان تمرد، تطالب بحقك وتقول: “أنا خريج عاطل منذ أكثر من عشر سنوات” فيُبادَرك أحدهم بسؤال أمني:"ومن يحركك"؟
تطالب بسعودة القطاعات فيقال لك:“احذر، الخونة بيننا ”فجأة تتحول من مواطن مسحوق إلى جاسوس يريد زعزعة امن الدولة
فقط لأنك تجرأت وسألت: اين حقي؟
إنها التهمة الفضفاضة منذ الأزل عندما يطالب المواطن بحقه.
واصبح من يوصف "بالذبابة الالكترونية" مع الوقت يستنكر معنى الحقوق والحريات ويهاجمها ويراها جريمة الشك في نواياك الوطنية بمجرد ان تسأل او تستفسر، وكأن الوطنية أصبحت حكرًا على اصحاب الشعارات والأصوات المنافقة!
والمضحك المبكي في آنٍ واحد أن تُطالب بالتوطين فيقول لك أحدهم بكل ثقة:“هذه حملة مشبوهة يقودها أعداء الوطن"
عجيب! هل اصبح العدو الآن هو خريج الجامعة الذي ينتظر دوره منذ أكثر من عقد؟ وهل تحوّلت المطالبة بتطبيق خطط الدولة نفسها إلى تهديد أمن قومي!؟
ربما آن الأوان لنفهم أن هناك خللًا حقيقيًا حين تتفشى البطالة ويصبح الموظف الأجنبي هو الأصل وابن البلد مجرد احتمال
كيف وصلنا إلى هذه المعادلة الغريبة؟
أرقامنا الرسمية تقول إننا ثاني أكبر دولة في العالم بعد أمريكا في استقدام العمالة الأجنبية نعم، نحن نتفوق على اليابان وألمانيا وفرنسا وكندا، لكن للأسف،في الاستيراد لا الابتكار
الذباب الذي يتحدث باسم الدولة ويمارس دور الشرطي والإعلامي والمحقق
لا يرى هذا الخلل لا يهمه أن تجد وظيفة أو لا
المهم ألا تُحرج طال عمره بأسئلتك
المهم أن تحب الوطن بصمت
أن تموت واقفًا دون أن تزعج أحدًا بطلب بسيط: وظيفة!
أي منطق هذا؟
هل نحتاج في المستقبل القريب إلى تصريح أمني قبل التقديم على وظيفة؟
الحقيقة أننا لسنا ضد أحد ولسنا أصحاب أجندات كما يزعم بعض محترفي التخوين نحن فقط أبناء هذا الوطن نؤمن بأن الكرامة تبدأ من تأمين لقمة العيش
نحب وطننا لدرجة أننا نطالبه بأن يحتضننا كما احتضن غيرنا لا نطلب معجزة، نطالب بالعدالة
ولأننا نؤمن أن دولتنا لا تخشى النقد الصادق ولا تتضايق من صوت المواطن الشريف فنحن نرفع أصواتنا عاليًا لا بالسخرية ولا بالشتائم بل بالمطالبة
ولأننا نحب هذا الوطن – فعلًا لا قولًا – فنحن نخاف عليه ممن يستغل اسمه ليُسكت أبناءه ممن يرى في كل متحدث عن البطالة متآمرًا وفي كل خريج عاطل مشروع خطر.
الوطنية لا تعني أن نُجامل، ولا أن نصمت،بل أن نصلح ونُشارك ونبني.
ومن أراد غير ذلك فهو لا يحب الوطن بل هو ظالماً لنفسه قبل ان يظلم غيره.