مقابلات

حقوق الإنسان وحرية التعبير في السعودية والخليج العربي (1) | مقابلة مع عبدالله العودة

الكاتب/ة أسامة سليم | تاريخ النشر:2021-10-27

عبدالله العودة هو باحث وناشط سياسي سعودي، وعضو مؤسس في حزب التجمع الوطني، ينتمي العودة إلى الجيل الجديد من النشطاء السياسيين في السعودية حيث استلهم من التجارب السابقة السعودية خصوصا والخليجية عموما، يرى العودة أن الشعب السعودي ليس استثناء من بين شعوب العالم في تطلعه للحرية ومطالبته للديمقراطية، منتقدًا الآراء السطحية وسردية النظام بأن الشعب السعودي غير جاهز لاستيعاب هذه المفاهيم، ينطلق العودة في صياغته لمفاهيم الحرية والديمقراطية باعتبارها مفاهيم تتماشى مع الإرث الثقافي والحضاري للمملكة وتتواءم معه، بدل إسقاط تجارب دول أخرى على الواقع السعودي، ولكنه لا ينفي في آن ضرورة الاستلهام والاطلاع على تجارب دول أخرى.

 في البداية، نرحّب بك دكتور عبدالله، كما هو معروف، فأنت من بين الأعضاء المؤسسين لحزب التجمع الوطني، الحزب السعودي المعارض الذي يتخذ من لندن مقرًا له، وددت في البداية أن أعرف في أي سياق ولد الحزب، كيف أتت الفكرة وأي جدوى لوجود حزب معارض بدل منظمة أو جمعية أو أي أشكال أخرى من أشكال التنظيم؟

 

مرحبا بكم، من ناحية السؤال الأول، حول جدوى وجود حزب في نظام لا يسمح بالأحزاب ولا يقبل بها، فيمكن مناقشة هذه النقطة من جانبين، الجانب الأول يتعلق بتجاوزنا مرحلة انتظار مبادرة من داخل النظام لأن هذا لن يحصل أبدًا، الديمقراطيات لا تتأسس من قبل الأنظمة والأجهزة الاستبدادية بل عن طريق نضالات الشعوب هناك مثل عربي استحضره في هذا السياق؛ "البضاعة السائبة تعلم السرقة" وأضيف حول هذا المثل أن اليد المستبدة تعلم الاستبداد" وهذا ما شهدناه طيلة سنوات وقرون في تاريخ المملكة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وحان الوقت الآن لتأسيس مبادرة شعبية، وعوضًا انتظار النظام ليسمح لنا بتأسيس أحزاب وخوض غمار المعارك السياسية وفرض فكرة التداول السلمي على السلطة والنظام السياسي الديمقراطي. نحن -في حزب التجمع الوطني-قررنا مسك المبادرة حتى تكون الكلمة للشعب لا الحكّام، حتى لا نبقى تحت رحمة نظام قمعي. هنالك مقولة لمالكوم اكس يقول فيها "إن الحرية التي يعطيها اياك الرجل الأبيض هي عبودية من نوع آخر لأنه يستطيع سلبها منك في أي لحظة"

الحرية الحقيقية هي التي تنتزعها انت كعنصر من عناصر المجتمع، وهذا ما يحدث الأن في السعودية، نحن الآن نفرض وضع قائم عوضا عن استجداء وضع غير موجود. هذا ما يحصل من ناحية، من ناحية أخرى وخاصة فيما يتعلق بأنّ البنى الفوقية في السعودية لا تسمح وان المجتمع متخلف – وهذه الكلمة التقليدية، أن المجتمع السعودي غير جاهز للديمقراطية -، وكأننا كمجتمع سعودي استثناء من نواميس الكون واستثناء من قوانين الأرض واستثناء من أحلام الثائرين وأحلام الشعوب حول العالم التي لديها شغف بالحرية وحب لفكرة العدالة والدفاع عنها، هناك الفطرة السليمة في العالم التي لا تقبل سوى أن تكون حرة، أي أن تكون في ظل نظام عادل وتطالب بهذه العدالة أين ما تكون فوق كل ارض وتحت كل سماء. هذا النظام العام لأي دولة ولأي شعب، ونحن لسنا استثناء من أي شعوب العالم، من ناحية أخرى حول عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني ولا توجد ثقافة ديمقراطية في السعودية وأن علينا أن ننتظر سنوات أخرى، هناك مثل امريكي يقول لا تضع العربة أمام الحصان، أي لا تجهز الناس للديمقراطية لأنهم غير جاهزين للديمقراطية، هذا كلام يناقض نفسه، كيف لك ان تقول ان الناس غير جاهزين للديمقراطية وفي آن واحد تطالب بعدم تجهيزهم. اظن ان أفضل طريقة لتجهيز الناس للديمقراطية هي عن طريق الممارسة الديمقراطية نفسها. وهذا الذي أقوله دائما، لا يمكن أن تمنع ابن الست سنوات من الذهاب الى المدرسة تحت مزاعم بأنه غير جاهز للمدرسة، لأنه سيصبح عمره سبع وثمان وتسع وعشر وعشرين ولن يكون جاهز للمدرسة لسبب بسيط، وهو أنه لم يذهب للمدرسة، أنه لم يمارس التعلّم والتعليم وهذا هو الذي يجعله غير جاهز للمدرسة. لا يوجد بلد في العالم أو شعب أو أمة غير جاهز للديمقراطية، ولا يوجد شعب أو أمة في العالم غير مستحقة للديمقراطية. والشيء الغريب والمضحك أن من يقول بأن السعوديين والشعب السعودي والخليجي غير جاهزين للديمقراطية ومستعدين لها، هم يرون حسب وجهة نظرهم أنها مستعدة للاستبداد والقمع والظلم. هذه الأنظمة تتعامل مع شعوبها كفئران تجارب لأفكارهم وخيالاتهم وأطماعهم، وهذا يشمل الاعتقالات والاستثمارات الخيالية والقتل والتعذيب والتهجير القسري، وهذا كله سيؤدي للخراب، وهذا نتيجة حتمية للاستبداد، لكن أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وتصبح هنالك تمثيلية سياسية فعلية فهذا أمر مرفوض تمامًا ويروّجون لعدم جاهزية الشعب لهذه الأفكار. أقولها بكل وضوح أن الشعب السعودي وشعوب الخليج وكل شعوب العالم غير مستعدة وغير مستحقة للظلم والديكتاتورية ولكنها جاهزة للديمقراطية.

أود أن أتفاعل مع اجابتك وأن نقيم تصوّرا عربيًا للديمقراطية، وخاصة منذ سنة 2011 حيث قدم الربيع العربي حلمًا وإمكانية إقامة ديمقراطية في العالم العربي وطيّ صفحة الماضي وصياغة تجارب جديدة، ولكن نتائج ومآلات عديد من الدول كانت مأساوية، البعض وجد في هذه التجارب تبريرًا لسردية النظام وقمعه وديكتاتوريته بأن الشعوب غير قابلة للديمقراطية وتقرير مصيرها بنفسها، كيف تقرأ هذه المآلات وخاصة أمام التصحّر الثقافي الذي تشهده المملكة منذ سنوات؟

قصة الربيع العربي قصّة طويلة، ولم يكتب لها تحليلها ونقاشها بهدوء وعقلانية، ولكن سأجيبك حولها بعدد من النقاط، أولًا؛ الذي حوّل الربيع العربي الى هذه المأساوية وجعل عددا من الدول تعيش جحيمًا هو تعرّضها لعمليات إجهاض متعددة، وهنالك فرق كبير وشاسع بين الإثنين، فلا يمكن أن تلوم محاولات الديمقراطية في هذا الخراب الذي تعيشه سوريا، المسؤول عن ذلك الوضع هو الأنظمة العربية والدولية الرجعية، لا يمكن أن تلوم الديمقراطية حول ما حصل في مصر، لا يمكن أن تلوم رغبة الشعوب في التحرر ومقارنة ذلك مع النتائج التي وصلت لها هذه الدول، بوضوح شديد، ما يحدث هو استمرار للتخلف والاستبداد الذي عشناه طيلة السنوات والعقود والقرون الماضية، كل هذا أجهض أحلام الديمقراطية، هي باختصار انتصار الثورات المضادة على ثورات الربيع العربي. كل ما حدث من خراب هو نتيجة الاستبداد والجهل المركّب، وللأسف انتصر الجهل والاستبداد ولكنه لن ينجح دائما لسبب بسيط، وهذا ربما سؤال ألمحت له بشكل غير مباشر حول قضية فشل الربيع العربي. أنا أظن بأن نجاح الربيع العربي يتمثل في وجود ثقافة للديمقراطية، يمكن لك أن تسحق شعب جرّب في يوم من الأيام الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولكن لا يمكن لك أن تلغي من أذهانهم تجربة الديمقراطية والإحساس بها والحاجة لها. لأن هذه ثقافة في عقول الناس والشعب ولا يمكن تدميرها بالقتل والتهجير والسحق والابادة، هذه عناصر تخويف ولكنها ليست عناصر إلغاء، ما نجح الربيع العربي فيه هو تأسيس ثقافة لا يمكن طمرها أو تدميرها ولكن يمكن محاولة إخفائها أو تأجيل آثارها لفترة من الفترات، ونحن الآن أمام محاولات التأجيل المتأخرة، في مصر حكم السيسي والعسكر يحكم قبضته ولكن الشعب مازال يناضل. الثورة الفرنسية على سبيل المثال انتهت بعد عشر سنوات وعادت الى حكم عسكري قاتل بقيادة نابليون بونابرت، وفي النهاية انتصر الشعب وذلك لسبب بسيط، أن الشعب قاوم الطغمة الفاسدة المنتفعة من الديكتاتورية، المؤسسات أو الشعب، هذه هي المعادلة، المؤسسات بيد الديكتاتورية ولكن الشعب يؤمن بالديمقراطية، يمكن أن تؤجل غضب أمة وشعب أو تتحايل على ثورته مرة لكن لا يمكن أن تفعلها كل مرة، وقد يكون للاستبداد الجولة ولكن لن تكون له الدولة.

دعنا نقف عند هذه النقطة، أي تأجيل آثار الثورة والغضب المجتمعي، انتهاء الديمقراطية كممارسة سياسية وبقاء آثارها راسخة في أذهان المجتمع، أي دور للحزب في استثمار هذا التأجيل وأي دور له في توظيف هذه الآثار والتبعات؟

أزعم أن الحزب مدّ يده الى جميع التجارب في العالم العربي والغربي، وخاصة في تجارب إرساء المؤسسات الديمقراطية وتدعيم ركائزها وكيفية التعامل مع التيارات المختلفة ومحاولة الاستفادة منها، هذا من ناحية، اما من ناحية أخرى هو أن لا نكون على عجلة من أمرنا من أجل التغيير، التغيير السريع يؤدي الى فشل سريع وهذا قد يكون عكس ما نريده، هدفنا هو تغيير حقيقي لصالح الشعب والمجتمع والأجيال القادمة حتى تنعم بالحرية والديمقراطية والأمان، وهذا لن يكون سهلا أبدا، لأن ما زرعه الاستبداد وما أساء اليه في مجتمعنا ومؤسساتنا عميق جدا وبعيد المدى فنحتاج الى فترة طويلة لأجل التعامل معه، نحن لسنا على عجلة من أمرنا ولكن نريد أن نكون في المسار الصحيح، وأظن أن أهم شيء من التجارب التي مررنا بها هي تجنب الاحتراب الطائفي والمعارك الثانوية مثل "إسلامية – علمانية" وتجنب الدخول في هذه البوتقة لأن هذا بالضبط ما يريده منا الخصوم، خصوم كثيرون مختلفون حول العالم يريدون تصنيفنا ووضعنا في خندق وهمي، اما طرف علماني ليبرالي مدعوم غربيا لأجل تغريب المجتمع وفسخه عن عاداته وتقاليده ودينه أو طرف إسلامي اخواني متطرف يريد ان يفرض على الناس أحكامًا رجعية، نحن لسنا دخلاء على الثقافة والمجتمع السعودي، لذلك تجاوزنا هذه الأشياء وقررنا ان يكون اسم الحزب تعبيرًا عن ماهيته، التجمع الوطني، أي عنصر تجميع لا تفرقة


يمكنكم الاطلاع على الجزء الثاني بالضغط هنا.