في محاولة لفهم الآخر -الذي أقصد به هنا المطيع لولي أمره حتى لو كان على حساب حريته وكرامته- الذي يردد دائما أنه لا يوجد معتقلي رأي بل مجرمون و إرهابيون أو أن ما ننشره كمعارضة محض افتراء، هذا الأخر والذي نجدهم على أرض الواقع وليس فقط افتراضياً، تمتاز أحاديثهم بأنّها شبه موحدة ومتناسقة وكأنهم تربوا في منزل واحد، وهذا ما يريده الحاكم المستبد الذي بات يسير تحت مشيئته و إرادته العديد ممن باعوا عقولهم له.
أستطيع أن أقول أن كلٌ شخص يذهب إلى ما يريد، بينما خطر الاستبداد يأتي حتى لمن ظن أنه في منأى عنه بشكل أو بآخر.
نعم، ذلك الآخر مُغيب العقل، مُخدر الضمير، لا يرفع صوته إلا للتصفيق والهتاف مع ذلك البهلواني أو المغني الذي -ربما لم يفهم من كلامه شيئا- لذلك هو لا يرى الجانب الآخر من الجور والقهر، حتى وإن رأى فهو يغض الطرف ويمضي مكذباً للحقيقة التي لا تهمه ظناً منه أن الحياة طعام ونوم وشراب وسعادة مزيفة.
ما أكثر الذين كانوا يناصبون العداء لكل من ينتقد الحاكم والسلطات ويتحدث عن الحريات، و ينعتونه بالحاقد على البلاد وعديم الوطنية، ثم تغير رأي أحدهم بمجرد أن أُعتقل أحد من أبنائه بسبب رأي، وإثرها تجلى له الواقع الأليم الذي تنتهجه السلطات بأكثر من وسيلة ضد كل مواطن صالح همه الوطن ورفعته وحرية الإنسان.
وفي خضم ما تضج به المملكة السعودية بالترفيه الذي يعملون عليه على قدم وساق من أجل تغييب الجماهير بهذا الصخب الخالي من المتعة غالباً لمن تدبر وأبصر ماهية الحياة على حقيقتها، صعدت روح الاصلاحي و الأكاديمي موسى القرني إلى بارئها نتيجة ضربه على رأسه حد تهشيم جمجمته وتشويه وجهه وهذه جريمة اغتيال بحق موسى القرني الذي تم اعتقاله في 2007 ولاحقا تم الحكم عليه بالسجن 20عاماً ومثلها منع من السفر، أي ظلم هذا يحدث لعلماء هذه البلاد؟ بدلاً من تكريمهم واحتوائهم والاستفادة من عقولهم النيّرة يُزج بهم في السجون ثم يتم قتلهم بوحشية!
وموسى القرني ليس الوحيد بل تم قتل عبدالله الحامد بإهماله طبياً، وأحمد الزهراني بسبب التعذيب الذي نتج عنه نزيف بالدماغ، وزهير شريدة، وكذلك صالح الشيحي الذي توفي بشكل غامض.
كل هذا يجعل أصحاب الضمائر الحيّة يفر من التهميش والأحلام المتدنية أو الصغيرة التي لا تصنع الإنسان بل تساهم في تكبيله.
عن أي ترفيه يمكن لأحدنا أن يفرح به وهو يهدف إلى فصلنا عن واقعنا حتى يحلو للمستبد قمعنا والتلاعب بنا كما يشاء، كيف يطيب لنا العيش وفي كل يوم اعتقال وتعذيب وهوان!
لا أريد أن يحدث هذا لكل مشكك أو مكذب للحقائق لكي يصحوا، بل هي دعوة للتأمل العميق الجاد وإعادة النظر في المبادئ الصحيحة، الإنسانية، وكيف تتقدم الأوطان، ونبذ الطاعة العمياء التي لا تأتِ بخير، جميعنا في مركب واحد، وكلنا تجرعنا مرارة الاستبداد بشكل أو بآخر وما فتئنا، ونحن وحدنا من سيغرق.