في مثل هذا اليوم من عام ٢٠٢٠ صعدت روح المناضل ورمز الإصلاح -عبدالله الحامد- إلى بارئها، بفعل الإهمال الطبي المتعمد وممارسة القتل البطئ الممنهج وهو في السجن ظُلماً وجورا بسبب نشاطه الحقوقي وعمله الدؤوب على رفع راية الحقوق ومصلحة الوطن عالياً، فكان له المستبد بالمرصاد، بينما ظل شهيد الإصلاح ثابتاً على مبادئه السامية رغم التنكيل به وتعذيبه إلى أن لقى خالقه.
أكتب عن الذكرى الثانية لرحيل شيخ المناضلين والحقوقيين، وكأنه رحلَّ للتو! بنفس مرارة الألم والفقد الكبير عندما تلقيت نبأ وفاته ببالغ الحزن والأسى، وهكذا يتذكره مناصري حقوق الإنسان ومحبي العدالة في كل مكان، ومن تأثر بأفكاره النيّرة التي حفرت عميقاً في وجداننا.
كان رجلاً استثنائياً في زمن الصمت المُهين والغفوة الطويلة التي نالتْ من حقوق الشعب وصادرها حاكمٌ بعد حاكم.
عبدالله الحامد رحلّ جسداً فقط، بعد ما ترك إرثاً من مؤلفاته التي تقارب الخمسة عشر كتاباً التي عكست أفكاره ورؤاه للمواطن والوطن، وقصائده التي لم تكن بعيدة عن الهموم السياسية والحقوقية. وكان من أبرز مؤلفاته"الكلمة أقوى من الرصاصة" "ثلاثية المجتمع المدني" "المشكلة والحل" و "صرخة خادم" و "الطريق الثالث الدستوري الإسلامي" وغيرها من كنوز كُتبه.
أنا وجميع من يعرف حجم الجحيم الذي يعيشه الإنسان في وطننا يدرك حجم التضييق على أهلنا في داخل الوطن وعدم قدرتهم على مناقشة كتب الحامد ومعتقلي الرأي بشكل عام، بالعلن وعلى مواقع التواصل تحديداً، كُتبه القيّمة التي يجب على الجميع الاطلاع عليها! يخشى القارئ النهم أن يقترب منها أو يشير إلى بعض الاقتباسات وقائلها أو حتى يقتنيها أو تكون على حاسوبه خشية القمع، وسيأتِ ذلك اليوم الذي تُناقش به تلك الكُتب الهامة، وستكون من تلك الأوليات التي يشعر من يمسك بأحد كتبه-رحمه الله- بالفخر والاعتزاز دون تعقبٍ أو وجل.
عبدالله الحامد ذلك الشمعة التي لا يمكن أن يطفئها سلاح المستبد، ذلك أن شهيد الإصلاح مفكر لا تفنى أفكاره كفناء الدوّل الظالم حكامها لا محالة.
الذي قال عنهم- طيّب الله ثراه- "إنّ الّذين يجعلون التّغيير السّلمي مستحيلا سيجعلون التّغيير الثّوري حتميّا في المستقبل"
ولكنهم لا يفقهون.
وقال في كتابه "حقوق الإنسان بين نور الإسلام و فقهاء غبش الطغيان" "لا يجوز السكوت عن المنكرات السياسية، لأنه من الكبائر والمعاصي الكبرى، التي تفضي إلى هدم الدولة والملة، حتى لو عرض الناس أنفسهم للاضطهاد والاستشهاد". وقد دفع ثمن مشروعه غالياً عندما تم الزج به في السجن، بل استشهد في سبيل الإصلاح عندما وقف بوجه حاكمٍ جائر، وقد أُشعلت منه الشموع وتحققت رؤيته وها هو النهر يحفر مجراه باستمرار الضغط من قبل النشطاء لانتزاع الحقوق دون كللٍ أو ملل والأجيال الواعية تشق طريقها صوب الحريات والإصلاح دون توقف.
يجب أن نُعلم الأطفال تاريخ البطل-عبدالله الحامد- حد رسوخه في الأذهان ونحيي ذكراه في كل حين، لطالما يغص الإعلام والمناهج الدراسية والطرقات والمساجد ..بتاريخ آل سعود وأسمائهم.
شيخ الحقوقيين يستحق كل تقدير وتكريم حتى وهو في الثرى، ما زال حياً فينا كوقود يمدنا بطاقة الشجاعة والإقدام وعدم الركون والاستسلام للاستبداد وأهله.
هذا لأن الهم المشترك بيننا هو حقوقنا كبشر، لنا كرامة وحريات يجب أن تُصان لا أن تُسلب، قضية الإنسان و كيانه الذي لا يجب أن يُلغى بفعل أي شكلٍ من أشكال الاستبداد، وإن حصل ذلك وجب علينا الانتفاض.
عبدالله الحامد مهما اختلف معه الآخر لا يسعه إلا أن يقف له يُحيي بسالته وينهل من معين فكره.