تقارير

عبدالله الحامد؛ سيرة الشعر والفكر

تاريخ النشر:2023-04-24

ضمن مقابلة طويلة معه، بثّتها قناة الجزيرة قبل عقدين من الزمن، تحدّث عبدالله الحامد بعمق ودقّة حول أزمة الحداثة في الزمن المعاصر، مشيرًا إلى ضرورة الوقوف على مآزق العصر الحالي، لم ينفي الحامد ضرورة تأثر الثانوي بالحوهري،  بل أكد على ضرورة هذا من خلال سرد أمثلة للدولة العباسية حيث تم الاشتغال بالأمثلة والنماذج المعاصرة بدل المنهج والدين في عديد الظواهر. من خلال هذه المقابلة دشّن الحامد تصورًا جديدا للعلاقة المدنية، حيث اعتبر أن المشكل لا يكمن في علاقة الله بالمخلوق، بل بين الحاكم والمحكوم، مدافعًا عن الديمقراطية لا كوسيلة فقط، بل كغاية وهدف.

عبدالله الحامد؛ الشعر والفكر والنقد

قبل تلك المقابلة التي توّجت مساره الفكري، عاش الحامد حياة ثرية جدًا، بدأت بالقصيعة في إحدى ضواحي مدينة بريدة، أين نشأ في أسرة متوسّطة الحال وكان له أحد عشر شقيقا، تخرّج من المعهد العلمي ببريدة سنة 1967، ليدرس اللغة العربية بكلّية الرّياض ويتحصّل على الماجستير سنة 1974 ومن ثم يلتحق بالأزهر الشريف ويتحصّل على الدكتوراه في تخصّص الأدب والنّقد سنة 1978.

بعدها بسنوات، انطلق الحامد في مجال اختصاصه، خاصة في النقد والشعر، أين بدأ في كتابة القصيدة العمودية والتفعيلية حتى غيّر اهتمامه نحو الأعمال الفكرية والنقد، متأثرًا  بمحمّد رشيد رضا وأحمد أمين ومحمّد الغزالي وأمين الخولي تبلور فكر الراحل في منهج فكري اصلاحي، يقوم على المراوحة بين الإسلام والفكر المعاصر، يتجلى هذا خاصة في منهجه.

من الشعر إلى الفكر، ومن القصيدة إلى النقد، عاش الحامد حياته ملتزمًا بالمشاغل المعاصرة والقضايا الراهنة للمملكة العربية السعودية خصوصًا والمنطقة العربية عموما، لتبتدئ محاولاته في الإصلاح على أرض الواقع ومن خلال كتاباته.

اعرف حقوقك

سنة بعد تلك المقابلة، تم اعتقال الحامد للمرة الرابعة مع بعضة عشر إصلاحيا من الدعاة بسبب مواقفهم الناقدة للسلطة،  وبعدها بأربعة سنوات اعتقل للمرة الخامسة في 8 مارس 2008 على خلفية موقفه المؤيد لعدد من نساء بريدة للاعتصام السلمي، وحكم عليه بالحبس مدة 6 أشهر وتم الإفراج عنه في 27 أغسطس من السنة نفسها مع شقيقه عيسى المحكوم بـ 4 أشهر على خلفية تلك القضية. لينطلق من النضال الفردي إلى هيكلته بشكل جماعي، من خلال تأسيسه جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، والتي تختصر بكلمة "حسم" وكان شعارها "اعرف حقوقك"  شعار يختزل المبادئ التي ناضل الحامد من أجلها وتسببت في وفاته لاحقًأ. شارك في تأسيس الجميعة 11 ناشطًا هم عبد الرحمن حامد الحامد ومحمد فهد القحطاني وعبدالكريم يوسف الخضر وفهد عبد العزيز العريني ومحمد حمد المحيسن ومحمد البجادي وعيسى حامد الحامد ومهنا محمد خليف الفالح وسعود أحمد الدغيثر وفوزان محسن الحربي وأعضاء غير موقعين بسبب اعتقالهم وقت تأسيس الجمعية هم: سليمان الرشودي وموسى القرني ومنصور العودة. تولى عبد الرحمن الحامد رئاستها لدورة 2010 ثم تولاها محمد القحطاني لدورة 2011، ثم تولاها عبد الكريم الخضر في دورة 2012، ثم تولاها سليمان الرشودي في دورة 2013 قبل أن يُعتقل ليتولاها نائبه فوزان الحربي، ثم تولاها عيسى الحامد في دورة  2014

لا نبي في قومه

طيلة عقود من النضال والنشاط الإصلاحي، لم تجد دعوات الحامد من رجع صدى، حيث لم تتجاوب الحكومة مع مقترحاته سوى بالقمع والسجن والهرسلة وسط تأييد من علماء الشريعة والفقه ومؤسسات الإفتاء، هيئات كان الراحل يرى أنها تفتقر للإصلاح المطلوب، ويغفل عن الحقوق المدنية والسياسية، مقابل الاهتمام بالجوانب الفردية وغيرها. يقول الحامد في كتابه "كي لا يكون القرآن حمّال أوجه"، إن "الأمة ستكون أتقى وأقوى، لو أن الناس جاهدوا بأموالهم (جهادا مدنيا) بإنشاء المؤسسات الأهلية (المستقلة) كالصحف والقنوات الفضائية، ومراكز الأبحاث والتقنية والإعلام، والقوة المعرفية عشر ما ينفقون على تكرار نوافل الحج والعمرة".

حلم لم يستمر؛

كان تأسيس جمعية مدنية تعارض السلطة علنية في المملكة العربية السعودية ضربا من الخيال في دولة تعتبر أي نشاط مهما كان سلمي ومهما كانت أهدافها تهديدًا وجوديًا لها، رغم ذلك انطلقت حسم بميزانية محدودة قائمة على التمويل الذاتي، طيلة خمس سنوات تداول على رئاستها خمس أعضاء في تجسيد للتعددية والتداول على السلطة، اي الأهداف التي طالما تحدثوا عنها نظريًا، وطبقوها فعليًا. ولكن ذلك لم يشفع لها. حيث قامت السلطات السعودية مطلع شهر مارس من سنة 2013 بحلّ الجمعية تجميد حسابها ومصادرة جميع أملاكها، لتنهي حلمًا ناضل لأجله أجيال من النشطاء السعوديين، قبل حلّ الجمعية كان القضاء السعودي حاكم كل من القحطاني بالسجن 10 سنوات وعلى الحامد بالسجن 11 سنة، ومنعهما من السفر بنفس المدة بعد إطلاق سراحهما، وحل جمعية حسم ومصادرة أملاكها.

توفي الحامد بعد سنوات من الاعتقال في سجنه تعرّض خلالها لكلّ أشكال الانتهاكات والموت البطيء، بعد أن تعكرت حالته الصحية لعدم رعايته وتوفير الأدوية اللازمة، علاوة على سلسلة من إضرابات الجوع الوحشية التي شنها احتجاجا على وضعيته في سجن. أشارت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية، تعقيباً على الأنباء التي تفيد بوفاة الدكتور عبدالله الحامد، سجين الرأي الذي توفي أثناء احتجازه في السعودية: “لقد شعرنا بالصدمة والحزن لنبأ وفاة الدكتور عبدالله الحامد أثناء احتجازه بسبب نشاطه السلمي. تضيف معلوف “لقد كان الدكتور الحامد مدافعاً باسلاً عن حقوق الإنسان في السعودية، وكان مصمماً على بناء عالم أفضل للجميع. إننا نتوجه بقلوبنا ودعواتنا إلى أسرته وأصدقائه، الذين حرموا على مدى السنوات الثماني الماضية من وجوده معهم نتيجة القمع اللاإنساني للدولة.

سبع سنوات في السجن، ترجّل بعدها أحد أبرز المعارضين في سعودية، موت يمثّل قتل عن سابق إصرار وترصّد بإهمال طبّي متعمّد بسبب آرائه الّتي كان يتبنّاها ويدعو إليها ومات عليها وهو ثابت وصامد، تمثل حادثة موته وصمة عار أخرى على جبين السلطات القمعية السعودية، ولكن أيضًا ذكرى شاهدة على النضال من أجل التعددية والسلمية في السعودية