في الوقت الذي كانت النخب العربية تطرح سؤال علاقة المثقّف بالسلطة، كان علي الدميني يطرح سؤال آخر أكثر دقة وعمق، علاقة المثقّف بالمعارضة، يتجلى هذا لا فقط في أعماله ولكن كذلك في منبر الحوار والإبداع الذي أداره طيلة عقد من الزمن.
شاعر، أديب، حقوقي وناشط، هي أسماء مختلفة تعكس المسار الطويل الذي امتد على سبعة عقود، والتي كان فيها علي الدميني منخرطًا في السياق السياسي والاجتماعي والثقافي في المملكة العربية السعودية، انخراط كلفه سنوات من السجن رغم كل ما قدمه للساحة الثقافية في السعودية عموما والمدونة الشعرية خصوصًا.
بسجلّ حافل في الدفاع عن حقوق الإنسان والتجديد في الشعر السعودي المعاصر، حيث اعتقل مطلع ثمانينيات القرن الماضي بتهمة انضمامه إلى الحزب الشيوعي، نشاطه الثقافي في المنطقة الشرقية بالسعودية، في دولة يضم نظامها الأساسي للحكم نصوصًا وتشريعات تحضر تكوين أي حزب أو جمعية أهلية أو نقابة أو أي اطار سياسي بأي شكل من الأشكال ويسجن أي سعودي ينظم لها، سواء كان داخل السعودية أو خارجها.
لقاء هذا، دفع الدميني سنوات من عمره في السجن من أجل تبنيه لعرائض تطالب بحرية الرأي والتعبير وافتكاك مزيد من الحقوق والحريات الشرعية للمواطنين، حيث قام خلال فترات متباينة من عمره بالإمضاء على عرائض اعتبرتها السلطات تحريضًا ضدها، علاوة على انتمائه للحزب الشيوعي السعودي، الحزب الذي تشكل على أنقاذ الحركة النقابية في أرامكو.
سنوات من النضال والعمل الأدبي والحقوق، قام الدميني بمراجعة قناعاته وترتيب أولوياته، لينطلق رفقة عدد من المناضلين والنشطاء في السعودية للنضال من أجل الإصلاح المدني، كان ذلك سنة 2004 رفقة الراحل عبد الله الحامد و متروك الفالح، نضال ثلاثتهم توّج ببلورة تصور جديد للمجتمع السعودي ينطلق من الإصلاح المدني، كانت عريضة الدستور أولا الشهيرة من أهم مخرجاتها ، وهي عريضته تم تقديمها إلى رأس السلطة حينها، والتي تطالب بالتحول إلى ملكية دستورية تطبق دستورًا شرعيًا يقوم على فصل السلطات بين بعضها و تغيير القضاء وإصلاحه وإخلاء سبيل مساجين الرأي.
لكل شيء ثمن، ويبدو أن الثمن من أجل النضال كان باهضًا للغاية، حيث تم اعتقال الدميني رفقة عدد من القيادات الإصلاحية الأخرى وإحالتهم أمام القضاء السعودي ليتم إصدار أحكام بلغت التسع سنوات.
سنوات بعد السجن، واصل الدميني كفاحه في التثقيف والتنوير، كشاعر أو ناشط، إلى أن ترجّل السنة الماضية بسبب مرض عضال، متمسكًا إلى آخر لحظة بالدفاع عن الوطن وقناعاته، وليس أوجز مما كتبه؛
ولي وطنٌ قاسمته فتنة الهوى ونافحت عن بطحائه من يقاتله.. إذا ما سقاني الغيث رطبا من الحيا تنفس صبح الخيل وانهل وابله.. تمسكت من خوف عليه بأمتي وأشهرت سيف الحب هذي قوافله.