عبدالله العودة: حزب التجمع الوطني يراقب السجون ويولي أهمية لوضع القحطاني
يحيى عسيري: معاناة القحطاني تجهض مزاعم السلطة بالإصلاح وتثبت توحشها
عبدالله الجريوي: السلطة تخشى صوت الإصلاحيين بالداخل وتقمعهم لتصنع غيرهم
محروم من الحرية وممنوع عنه الرعاية الطبية وحياته معرضة للخطر وممنوع من حقه في الزيارات والاتصالات العائلية، ويجرى تدويره في قضايا جديدة.. مختصر ما يعانيه الأكاديمي والحقوقي والسياسي الحاذق المؤسس المشارك لجمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية "حسم" الدكتور محمد بن فهد القحطاني، داخل محبسه في سجن الحائر.
"حسم" أسسها 11 ناشط حقوقي وأكاديمي في 2009 بهدف التوعية بحقوق الإنسان، وأوضحوا في إعلانها التأسيسي، أن أهم دواعي تأسيسها أن حقوق الإنسان في المملكة تتعرض لانتهاكات خطيرة، وازدياد هيمنة وزارة الداخلية على شؤون العباد والبلاد، معلنة فتح سجل لانتهاكات حقوق الإنسان، يرصد الانتهاكات العامة لحقوق الأمة والخاصة بحقوق الأفراد.
وكان من بين النقاط التي سلطت حسم الضوء عليها هي فتح سجل لانتهاكات حقوق الإنسان على العموم، والمتهم والمعتقل على الخصوص ولاسيما الخطيرة منها، كما طالب مؤسسوها بتطبيق مبادئ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، والتوصية بخلق نظام فيه برلمان مُنتخب ومؤسسات قانونية شفافة تخضع للمساءلة.
ولكن السلطة حلت الجمعية وحظرتها في 2013، وصادرت ممتلكاتها، واعتقلت جميع أعضائها واخضعتهم لمحاكمات مطولة ومعاملة قاسية ووجهت لهم تهم معلبة، ومارست ضدهم التعذيب الممنهج، ومازال مؤسسيها قيد الاعتقال، فيما توفى أبرز مؤسسيها الدكتور عبدالله الحامد في 9 أبريل/نيسان 2020 داخل محبسه لعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة، ورفض إجراء العملية اللازمة له، بعدما أمضى 7 أعوام في المعتقل.
تعريف بالقحطاني
القحطاني ولد في 1965، وكان يقيم بالرياض، وحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة إنديانا الأمريكية، وعمل بمركز مرموق في معهد الشؤون الدبلوماسية بوزارة الخارجية سابقا، ويحظى بشعبية واسعة، ويتابعه على حسابه بتويتر أكثر من 70 ألف مغرد، وصاحب شخصية نضالية صلب، ويعد من رواد العمل الإصلاحي في السعودية.
بدأ نشاطه الحقوقي المنظم بالمشاركة في توقيع بيان موجه للملك عبد الله بن عبد العزيز، نُشر في 13 مايو/أيار 2009 لإدانة المحاكمات السرية للمتهمين بالإرهاب.
وحلم بمحاكمة النظام السعودي الذي كان يصفه دوما بـ"المستبد"، وتمنى تطبيق إصلاحات سياسية وطي ملف القمع والتعذيب وغيرها من الانتهاكات، وود أن يرتقي الشعب للمطالبة بحقوقه السياسية والمدنية بالوسائل السلمية، ويصر على نبذ العنف رغم استفزازات النظام السياسي.
اعتقلته السلطات السعودية تعسفيا في 9 مارس/آذار 2013، وهو يوم النطق بالحكم عليه دون استئناف، وتم التحقيق معه بشأن عمله مع حسم ونشاطه السلمي، وحكمت عليه محكمة الجنايات بالرياض في 9 مارس/آذار 2013، بالسجن 10 سنوات، يتبعها حظره من السفر لمدة مماثلة، ما يعني انقضاء مدة عقوبته في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إذ تقدر سنة السجن وفق قانون المملكة بـ 9 أشهر.
وجاء الحكم بدعوى اتهامه بـ"الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة" و"تقويض سياسات الدولة" و"التشكيك في نزاهة المسؤولين" و"السعي إلى تعطيل الأمن والتحريض على الفوضى من خلال الدعوة إلى التظاهر"، و"تحريض المنظمات الدولية على المملكة" بالإضافة إلى عدد من التهم الأخرى.
بينما سخر القحطاني من التهم الموجهة له مؤكدا أنه طالب بالملكية الدستورية، مستنكرا اعتبار السلطة المناداة بالدستور "جريمة"، فيما أدانت جمعية حسم الحكم واعتبرت أن "أصل القضية هو انتهاكات الحكومة السعودية لحقوق الإنسان، ومحاولة الجمعية التصدي لهذه الانتهاكات ورصدها".
وسّخر حسابه بتويتر للدفاع عن معتقلي الرأي، والكشف عن عدم نزاهة النظام السعودي وفساده وهدره لموارد الدولة وثرواتها، ودعا سابقا لمناظرة علانية بين النظام السعودي وأعضاء جمعية حسم، على أن يأتي النظام بعلمائه ومفكريه، واستنكر مرارا انسداد الأفق الذي يعاني منه النظام السعودي.
ومن أبرز تغريدات القحطاني التي أعلن فيها مواقفه من النظام السعودي الحاكم على حسابه بتويتر، قوله إن "ولي أمرنا وسيدنا هو الشعب، وليس النظام السياسي مهما صلح"، مؤكدا أن هذه نقطة فارقة مع الأبواق الرخيصة التي تحتقر الشعب وتؤيد استعباده.
معاناة القحطاني
وفي تغريدة أخرى للقحطاني، قال إن الأحداث ستثبت أن أعضاء جمعية حسم كانوا الأقدر على قراءة المشهد والتنبؤ بتحركات النظام السعودي، وفي تغريدة أخرى أكد أن النظام السعودي يعذب شعبه من خلال السجن التعسفي طويل الأمد، والتعذيب البشع، والإخفاء القسري.
ليتجسد كل ما قاله "القحطاني" وشكا منه في بلاده في معاناته داخل سجون النظام، ويثبت كل ما يتعرض له منذ اعتقاله وحتى كتابة هذه السطور، أن خبرته السياسية والحقوقية وبعد نظره وصوابة رؤيته لم تخونه يوما.
فمازالت السلطات السعودية لا تتورع في إيذائه والضغط عليه تارة بالزج به في الحبس الانفرادي، وأخرى باحتجازه في جناح السجناء من أصحاب الأمراض النفسية، بالإضافة إلى حرمانه الحصول على الكتب، كما دأبت على النكث بالوعود التي تقطعها على نفسها لتمنعه من مواصلة إضرابه.
ونفّذ الرجل الذي اعتُقل لكونه مدافع عن الحقوق، عدة إضرابات عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازه السيئة، ومنعه من التواصل لفترات طويلة مع عائلته، ويتخذ من معركة الأمعاء الخاوية آلية احتجاج يستخدمها أمام جلاده رفضا لقمعه وسلب حقوقه وسوء معاملته، ولم يمنعه القيد عن مواصلة كفاحه بالمطالبة بحقه حتى وهو سجين.
وفي 23 أبريل/نيسان 2017، توفت والدة القحطاني وهو في السجن، ورفض الخروج للصلاة عليها ودفنها، قائلا: " حُرمت من رؤيتها وزيارتها وهي مريضة واشترطوا أن أخرج مقيدًا أمام والدتي المريضة، ولذا لم أرها في مرضها فحُرمت هي رؤية ابنها في مرضها".
وأضاف: "حرمت أنا أمي أسرتي وأطفالي، لا لذنب اقترفته، وإنما لرفضي للظلم ودفاعي عن حقوق الناس، فما فائدة خروجي لجثة من حرمت منها حية، وهل يمنون أن أخرج لأراها وقد فارقت الحياة رحمها الله"، موضحا أن السبب الثاني لرفضه الخروج أنه لن يخرج للحظة ليرى الحياة بحرية ويترك رفاق دربه خلفه في السجن.
استغاثة ذويه
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال عمر نجل القحطاني، في لقاء مع برنامج "بلا حدود" إنه يخشى على حياة والده داخل السجن، خاصة بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وكشفت مها زوجة القحطاني أن أحد المرضى النفسيين تسبب يوم 13 أغسطس/آب 2021، بإشعال حريق في الجناح الذي يتم احتجاز زوجها فيه، موضحة أنه "لولا لطف الله ثم قدرة السجناء على إطفاء الحريق لحلت كارثة كبيرة".
كما اتهمت سابقا سلطات السجن بتعمد قطع اتصالها المحدود مع زوجها، واستنكرت التضييق المتزايد الذي يُمارس بحق زوجها، فيما ذكرت منظمة القسط الحقوقية أن "عائلة القحطاني تعاني من المراقبة المشددة على الاتصالات، حيث تتعمد إدارة السجن دائمًا قطع الاتصال في حالة التحدث بلغة غير العربية".
وفي أعقاب ظهور فيروس كورونا واجتياحه العالم، ووصوله إلى السجون، وإصابة القحطاني به، حمل نجله السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن صحة والده، مشيرا إلى أنه يتعرض لإهمال صحي وهناك تكتم شديد على حالته الصحية؛ وسبق أن كشفت منظمة القسط الحقوقية أنه ممنوع من تلقي الأدوية مثل قطرات العيون والفيتامينات التي يحتاجها، ما أدى إلى تطور جفاف العين لديه.
وقال ابنه عمر في تسجيل فيديو تداولته حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، في أبريل/نيسان 2021: "والدي في العزل الانفرادي منذ فترة، ونحن لا نعلم طبيعة هذا العزل وهل هو عقوبة أم ماذا، ونحن أيضا قلقون على صحة والدي ونحمل السلطات السعودية المسؤولية عن صحته".
دعم حقوقي
تحظى قضية القحطاني وما يتعرض له من انتهاكات بدعم حقوقي وسياسي واسع، سواء على مستوى المنظمات الحقوقية السعودية المعنية برصد انتهاكات السلطة في الداخل السعودي أو غيرها من المنظمات والهيئات الدولية، كما يولي حزب التجمع الوطني السعودي المعارض أهمية خاصة لمعاناة القحطاني ورفاقه داخل السجون السعودية.
فبدوره، قال الأمين العام لحزب التجمع الوطني الدكتور عبدالله العودة، في حديثة مع "صوت الناس": "إننا في الحزب نراقب ما يحدث داخل السجون، خاصة وضع الدكتور القحطاني"، متعهدا ببذل كافة الجهود لكشف انتهاكات السلطات وبطشها الرهيب بكل إصلاحيي الداخل.
ورأى العضو المؤسس لحزب التجمع الوطني يحيي عسيري، أن ما يتعرض له الدكتور القحطاني من تنكيل وإخفاء قسري متعمد وإعادة محاكمات ومنعه من التواصل مع ذويه، واحتجازه مع المرضى النفسيين، ومنعه من العلاج وتعريض حياته للخطر، يكشف دعاوى كل المدافعين عن السلطات السعودية ويجهض مزاعم إمكانية اتجاهها للإصلاح.
وأكد في حديثه لـ"صوت الناس"، أن الخطوة الأولى للإصلاح تبدأ من الداخل بالإفراج الفوري عن كل شخص تم اعتقاله عقابا له على إبداء رأيه، لأنه لا يجوز لسلطة تدعي الإصلاح أن يكون السجن مصير كل من ينتقدها أو يعلن موقفه من سياستها، مذكرا بأن القحطاني ورفاقه "سجناء رأي".
واستنكر عسيري، إصرار السلطات بكل صلف على عدم إخراج القحطاني وحرمانه من أسرته ومن حقوقه المشروعة وتقييد حريته بعد أن أمضى الحكم الجائر الذي أصدرته ضده، رغم أنه صادر بناء على محاكمات غير عادلة، في إثبات على أنها سلطة قمعية متوحشة تزيد من انتهاكاتها، متمنيا الحرية له ولكافة المعتقلين في السجون السعودية.
ومن جانبه، أشار عضو حزب التجمع ومدير ديوان لندن عبدالله الجريوي، إلى أن الدكتور القحطاني ورفاقه رموزًا وطنية للشعب السعودي، لذلك فإن السلطات تخشاهم وتخشى أي صوت إصلاحي في الداخل يسعى لبناء عمل مؤسسي ويواجه فساد السلطة وانتهاكاتها وتحاول الانتقام منهم لصناعة رموز أخرى لا قيمة لها".
وفي سبتمبر/أيلول 2018، منحت مؤسسة "رايت ليفيلهوود"، القحطاني ورفيقه عبدالله الحامد ووليد أبو الخير، جوائزها نظير عملهم الإنساني في الدفاع عن حقوق الإنسان، بسبب جهودهم الشجاعة لتعزيز الإصلاحات السياسية؛ وأصبحوا بذلك أول فائزين من السعودية بالجائزة.
وعقب شهرين أطلقت المؤسسة التي تأسست في 1980 ويقع مقرها في العاصمة السويدية ستوكهولم، حملة دولية للمطالبة بالإفراج الفوري عن الفائزين الثلاثة.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن القحطاني، مشيرة إلى وجود اتجاه لإبقاء المدافعين عن حقوق الإنسان في السجن بعد انتهاء عقوبتهم، بإلغاء العقوبة الأصلية والأمر بمحاكمات جديدة دون تزويدهم بمعلومات كافية أو مساعدة قانونية، في انتهاك لمبدأ "عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين".
وفي 26 أبريل/نيسان 2023، طالبت 18 منظمة حقوقية دولية السلطات السعودية بالإفراج عن القحطاني، والكشف عن مصيره ومكان وجوده، ومنها، منظمة القسط، ومنظمة العفو الدولية، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي.
تدوير جديد
نهاية أبريل/نيسان 2023، أفادت زوجة القحطاني بأن هناك جلسة في المحكمة الجزائية المتخصصة لزوجها، رغم أنه أنهى حكمه الجائر 10 سنوات، مؤكدة أن ما يحصل من إجراءات هي "غير قانونية ومخالفة لجميع الأنظمة المحلية والدولية" ومهزلة وتخبط في السلك القضائي.
وفي 2 مايو/أيار 2023، تأجلت الجلسة لعدم إحضار القحطاني، وقالت زوجته: "لا نعلم إلى الآن ما هي التهم ولا لماذا لم يحضر محمد من السجن إلى المحكمة؟!"، مطالبة بتمكين زوجها من التواصل معهم وحذرت إدارة السجن من استمرار الانتهاكات.
وتكرر الأمر ذاته في 8 مايو/أيار 2023، إذ تأجلت أيضا الجلسة إلى الأسبوع التالي لعدم إحضار القحطاني، وتساءلت زوجته عن أسباب تعمد منع زوجها من التواصل معهم أو مع المحامي، مطالبة المحكمة باحترام القوانين المحلية والدولية والإفراج الفوري عن زوجها دون قيد أو شرط.
وبحسب منظمة منا لحقوق الإنسان، فإن السلطات السعودية ردت في 30 يناير/كانون الثاني 2023 على بلاغ سابق للأمم المتحدة، مؤكدة أنه: "فيما يتعلق بقضية المواطنين عيسى النخيفي ومحمد القحطاني، اتهما بارتكاب عدد من الجرائم الجنائية داخل السجن، وتحريض الآخرين على ارتكاب جرائم جنائية بانتهاء مدة عقوبتهم".
وأضافت السلطة في ردها، أن النيابة العامة قامت بالتحقيق في الجرائم التي وجهت إليهما وأصدرت مذكرتي توقيف بحقهما ومددت توقيفهما بناء على قانون الإجراءات الجنائية، ولا تزال القضية قيد التحقيق وكلاهما محتجز في إصلاحية الرياض.
المصادر:
الإعلان التأسيسي لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية
مخاوف على حياة معتقلي الرأي في السعودية وتعذيب وتحرش بناشطات
نشطاء سعوديون بين الفائزين بـ"جائزة نوبل البديلة"
"نوبل البديلة" تطلق حملة دولية للإفراج عن ثلاثة حقوقيين سعوديين