تقارير

تحويل المحميات الطبيعية إلى ملكية.. مقدمة للتهجير القسري بدعوى حماية الحياة الفطرية

تاريخ النشر:2023-07-14

"بن سلمان" يسيطر على 14% من أراضي المملكة.. فهل يهجر السعوديين قسريا لتوسيع "المحميات الملكية"؟

عكفت السلطات السعودية في أعقاب تدرج الأمير المدلل محمد بن سلمان في هرم السلطة ووصوله إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، على توسيع مساحات المحميات الطبيعية وتحويلها إلى ملكية خاصة وإصدار أوامر ملكية تشرعن مصادرة أراضي الشعب بإثبات أن ملكيتها تعود للدولة وليس من حق السعوديين أن يسكنوها، وبالتالي فإن تهجيرهم قسريا يصبح حقا مكتسبا للسلطة.

والمحمية الطبيعية عبارة عن منطقة جغرافية بمساحة محددة، تُطبق فيها نظم حماية خاصة جدًا من التلوث أو الصيد، بحسب بيئتها، كونها فريدة في محتواها الجيولوجي أو النباتي أو الحيواني، وغالبًا ما تشتمل على أنواع وسلالات نادرة أو مهددة بالانقراض.

أما المحميات الملكية فيقصد بها مساحات جغرافية متوزعة في أنحاء السعودية مفترض قانونا أنها ذات ملكية عامة، لكن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حولها بأوامره الملكية التي أصدرها في يونيو/حزيران 2018، إلى ملكيات خاصة بآل سعود، حيث أسند الإشراف عليها لمجلس بالديوان الملكي ذو استقلال مالي وإداري يسمى مجلس المحميات الملكية.

ويرأس المجلس ولي العهد بن سلمان، ويكون لكل محمية ملكية مجلس إدارة وجهاز يتولى الإشراف على تطويرها ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، الأمر الذي يحول تلك المحميات لعزبة خاصة بشكل مقنع، خاصة في ظل عدم وجود مشاركة سياسية شعبية أو إعلام يمثل صوت الشعب، أو رقيب يمنع وقوعها.

ويضم مجلس المحميات إلى عضويته كلا من الأمير تركي بن محمد بن فهد، الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز، الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان، ووزير البيئة والمياه والزراعة، واثنين من ذوي الاختصاص يختارهما رئيس المجلس.

وبذلك أصبحت أرض المملكة وما عليها ملكية خاصة خاضعة لسيطرة آل سعود، أما الرعية فنصيبهم التهجير القسري والقتل في حال عدم الانصياع للأوامر الملكية، خاصة أن بن سلمان كان له نصيب الأسد من القرارات الملكية التي سميتها حينها بـ"قرارات الفجر" واستحوذ بختم من والده على مزيدا من النفوذ والصلاحيات.

ويتم التوسع في المحميات الملكية بدعوى الحفاظ على الحياة الفطرية وتنميتها ورعايتها وزيادة الغطاء النباتي والحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض، حتى تفاخر بن سلمان، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بأنه عمل منذ 2016 على رفع نسبة المحميات الطبيعية من 4% إلى ما يزيد عن 14% من إجمالي أراضي المملكة، وإنشاء قوة خاصة للأمن البيئي بلغ عدد منسوبيها 1100 فرد.

المناطق المظللة بالأخضر الغامق هي مساحات المحميات الطبيعية القديمة، والمظللة بالأخضر الفاتح توضح حجم التوسع في المحميات بعد تحويلها إلى محميات "ملكية"

وزعمت السلطة في أعقاب إعلان القرارات الملكية أن من فوائد المحميات الملكية زيادة رقعة الغطاء النباتي لصناعة عقاقير طبية منتجة من النباتات العطرية المزروعة في البيئات المحمية؛ بينما بلغت واردات المملكة من الأدوية الطبية في العام ذاته نحو 43 مليون كيلو، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 16.71 مليار ريال.

وفى عام 2022، أفادت الهيئة العامة للجمارك بأنه جرى استيراد أكثر من 27.9 ألف طن أدوية، منذ مطلع العام حتى الآن أغسطس/آب من العام ذاته.

مجلس المحميات

وادعى القرار الملكي إن الهدف من تشكيل مجلس المحميات، هو تنظيمها بحيث لا تتضرر أملاك المواطنين وقراهم وهجرهم التي تقع ضمن نطاقها، وللحد من الصيد، والرعي الجائر، ومنع الاحتطاب؛ من أجل زيادة الغطاء النباتي وحمايته، وكذلك إنماء البيئة الطبيعية للحيوانات والنباتات والمحافظة عليها، لكن الخرائط تثبت توسع المحميات بشكل يضر بأملاك مواطنين.

وتطرق القرار إلى تحديد ست محميات ملكية وتسميتها وتشكيل مجالس إداراتها على النحو التالي تكون محمية "روضة خريم" والمناطق المجاورة لها محمية ملكية، وتسمى (محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد) وتبلغ مساحتها 11300 كيلو متر مربع على أن يترأسها الأمير تركى بن محمد بن عبد العزيز آل سعود وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.

وتكون "محمية محازة الصيد" محمية ملكية وتبلغ مساحتها 2240 كم، وتسمى (محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز) ويكون مجلس إدارتها برئاسة الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.

وأيضا تكون محمية "التيسية" والمناطق المجاورة لها محمية ملكية، وتسمى (محمية الإمام تركى بن عبد الله)، ويكون مجلس إدارتها برئاسة الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.

وتكون محميتا "التنهات، والخفس" والمناطق المجاورة لهما محمية ملكية وتبلغ مساحتها 15700 كيلو متر مربع وتسمى (محمية الملك عبدالعزيز) ويكون مجلس إدارتها برئاسة صاحب الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.

 

فى حين تكون محميات "الخنفة، والطبيق، وحرة الحرة " والمناطق الواقعة بينها والمجاورة لها محمية ملكية وتبلغ مساحتها 130700 كيلو متر مربع و تسمى ( محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز)، ويكون مجلس إدارتها برئاسة الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.

أما المنطقة الواقعة بين "مشروع نيوم، مشروع البحر الأحمر ، العلا" تكون محمية ملكية ، وتبلغ مساحتها 16000 كيلو متر مربع وتسمى (محمية الأمير محمد بن سلمان)، على أن يكون مجلس إدارتها برئاسة ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.

جدل وتحذير

وأثار قرار إنشاء مجلس المحميات جدلا واسعا بين أوساط الشعب السعودي، وكان من أكثر القرارات الصادمة للرأي العام، وأعرب كثيرون عن مخاوفهم منه، ونادوا بحماية الأراضي السعودية من عملية التهجير المرتقبة، واعتبروه بمثابة سرقة ونهب الأراضي السعودية، ولكن بشكل مقنع، حيث أصبح بن سلمان مسيطرا على 14% من مساحة أراضي المملكة.

وتعجب سعوديون من وضع أسماء الأمراء والملوك على المحميات واستبدال أسمائها المعروفة والمتعارف عليها والمسجلة رسميا في الخرائط الجغرافية والبيئية والجامعات البحثية بأسماء الملوك والأمراء، وعدو ذلك تكريسا للملكية الخاصة ولا تتسق مع الأمر الملكي بفتح المحميات للمواطنين.

وحذر مراقبون من أن هذا بدوره سيؤدى لاحقا إلى اتساع الفجوة بين الشعب المطحون والأسرة الحاكمة المستأثرة بالبلاد، مما سيؤدى إلى زيادة التمييز الطبقي، خاصة في ظل معاناة الشعب من ظاهرة "الشبوك" التي يسطو بموجبها أفراد الأسرة الحاكمة على الأراضي الشاسعة في السعودية، ويصادروها بدعوى إنشاء مشاريع تدر أرباح مالية واسعة لهم.

وبدوره، رصد حزب التجمع الوطني السعودي المعارض للسلطة، حجم التوسع في المحميات الملكية في مقطع فيديو نشره في 6 يوليو/تموز 2021، حث خلاله الشعب السعودي على حماية أراضيه من عملية تهجير مرتقبة، موضحا أن التوسع المرعب في محميات بن سلمان تستهدف قرى ومناطق كاملة.

وأشار إلى أنه تمهيدا لذلك التوسع تم سحب صلاحيات الحماية الفطرية وإسنادها إلى الديوان الملكي تحت اسم مجلس المحميات الملكية الذي أقره الملك سلمان، راصدا تحول شكل المحميات من بقع جغرافية في أماكن بقلب الصحراء إلى مساحات شاسعة شملت مدن وقرى بها العديد من السكان.

وأكد الحزب أن الخطر يكمن في إنشاء محمية جديدة من العدم على طرف البحر الأحمر اسمها (محمية محمد بن سلمان)، لأنها في الواقع يجرى التخطيط لثلاث أماكن جديدة واحدة في شمال المحمية باسم نيوم والثانية في جنوب المحمية باسم مشروع البحر الأحمر والثالثة باسم محافظة العلا".

وحذر من أن المخطط يقوم على حساب مدن كاملة وبالتالي يمكن أن يؤثر هذا المشروع على الناس في هذه المناطق، وخصوصا المناطق الغربية الشمالية التي تشمل غرب تبوك مثل حقل وضباء والوجه وأملج، متوقعا تهجير السكان المحليين على عدة مراحل، وبالفعل بدأت السلطة بإخراج المواطنين من شرما والخريبة القريبة من القصور الملكية في نيوم، بالإضافة إلى إنشاء مطار مصغر في شرما القريبة من نيوم.

ضوابط المحميات

حقيقة الأمر أن هناك ضوابط تضمنها القرار الملكي الصادر بإنشاء هيئة بالديوان الملكي منظمة لعمل المحميات "مجلس المحميات" وفقا لما جاء في مشروع اللائحة لتنفيذية للمناطق المحمية، وهي أن مناطق المحميات تنشأ على أرض غير مملوكة ملكية خاصة وليس لأحد عليها حق اختصاص، أو امتياز، أو حج.

وأكد القرار أن في حالة وجود حق ملكية أو حق اختصاص أو امتياز أو حجز على إحدى المناطق المراد إعلانها كمحمية يتم معالجة الأمر بالتنسيق مع الجهات المعنية أو صاحب الاختصاص - ما لم يتنازل صاحب الحق عن حقه- ، تُعدل خارطة المنطقة المحمية، أو يختار بديل عنها، فيما عدا نطاق الحماية الصارمة يجوز للمركز إقامة المنطقة المحمية رغم وجود ملكيات خاصة مع تمكين صاحب الملكية الخاصة الانتفاع منها.

لكن المتوقع في عهد بن سلمان الذي لا يحظى بأي ثقة شعبية، وتعاني غالبية مشاريعه من التعثر والفشل، وطوى بعضها النسيان واستنزفت أخرى ميزانية الدولة دون طائل، ألا تلتزم السلطات السعودية بتلك الضوابط ومخالفتها، والدليل على ذلك ما حدث مع عائلة الحويطات وهدد جدة، وهو ما سنتطرق إليه بالتفصيل في السطور التالية.

مشروع" نيوم"

تكتسب المحمية الملكية المعروفة باسم (محمية الأمير محمد بن سلمان) أهمية كبيرة نظرا، لوقوعها بالقرب من مشروع "نيوم" الذي أعلنه بن سلمان المعروف بحبه للفخفخة والثروة وحب المال وشهوة السلطة كما يوصف في الإعلام الغربي، في 2017، وهو مدينة استثمارية تجارية وصناعية تعمل على تسع قطاعات استثمارية متخصصة.

محمية الأمير محمد بن سلمان

وتبلغ قيمته 500 مليار دولار، ويمتد على مساحة 26 ألفا و 500 كيلومتر مربع شمال غربي المملكة ويشتمل على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية، ويقع في أقصى شمال غرب السعودية (منطقة تبوك)، ويحده البحر الأحمر من الغرب على امتداد 460 كم، ويضم المشروع مساحة ألف كيلو من مصر في أراضي جنوب سيناء.

وتقع المنطقة شمال غرب المملكة، على مساحة 26.5 ألف كيلو متر مربع، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر و خليج العقبة بطول 468 كيلو مترًا، ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2500 متر، ويسمح موقع المشروع بين القارات الثلاث لـ70 في المائة من سكان العالم للوصول إلى الموقع خلال ثماني ساعات كحد أقصى.

ووفقا للسلطات السعودية يأتي هذا المشروع في إطار استراتيجية تحقيق انفتاح اقتصادي وللحد من الاعتماد على عوائد النفط ولتخفيف القيود الاجتماعية الصارمة، على أن يتم دعمه من صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين، بحيث تنتهي المرحلة الأولى من المشروع في 2025.

لكن تحقيقات وتقارير أجنبية تنبأت بفشل هذا المشروع، إذ كشف تحقيق موسع نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية بعد خمس سنوات من إطلاق المشروع وتحديدا في يوليو/تموز 2022، عن ملامح الفشل التي تعصف به، مؤكدة أن "المشروع يمر بتحديات كبيرة ويبدو أن تحويله من خيال علمي إلى واقع لا يزال أمراً صعباً".

جانب مظلم

وبزر من مشروع نيوم جوانبه المظلمة، المتمثلة في مصادرة أراضي سكان المنطقة وتهجيرهم وملاحقتهم قضائيا في حال رفضهم الإخلاء، وهو ما حدث مع أبناء قبيلة الحويطات الذين عارضوا الإخلاء القسري في عام 2020 لبناء مدينة نيوم، والتي رصدت معاناتهم منظمة القسط لحقوق الإنسان موثقة ذلك في تقرير استندت فيه على شهادات مباشرة من الضحايا والشهود وأيضا بيانات مفتوحة المصدر.

وأكدت مصادرة ممتلكات سكان المنطقة -معظمهم من أبناء قبيلة الحويطات الذين يبلغ عددهم 20 ألف نسمة- وهُجّروا قسريا من بيوتهم بصورة غير قانونية دون أن يحصلوا في كثير من الأحيان على تعويضٍ. وخلال تلك العملية، وقتلت قوات الأمن عبد الرحيم الحويطي رميا بالرصاص.

وأشارت المنظمة إلى اعتقال عشرات من أبناء القبيلة بصورة تعسفية بسبب المقاومة السلمية للتهجير القسري لقبيلتهم والتعبير عن رفضهم للظلم الواقع عليهم، كما صدرت في 2022 أحكاما قاسية بشكل استثنائي بالسجن على الكثيرين منهم بموجب نظام مكافحة الإرهاب لمدد تتراوح ما بين 15 و50 سنة، وحتى بالإعدام على خمسة أشخاص على الأقل.

وتمضي السلطات السعودية في محاولة تحقيق مشروع نيوم مرتكبة انتهاكات حقوقية بحق السكان الأصليين في عملية نقل قسري لآلاف الأشخاص من منازل أجدادهم، متجاهلة كون الأرض المخصصة للمشروع مسكونة بالفعل منذ عدة قرون، من قبل القبائل والشعوب التي لا تعد نفسها أعضاء في عائلة آل سعود الحاكمة.

هؤلاء السكان وعلى رأسهم قبيلة الحويطات، عاشوا وزرعوا الأرض منذ فترة طويلة قبل أن تقيم أسرة آل سعود السلطة الحاكمة وتشكل المملكة العربية السعودية، وبرغم ملكيتهم التي سبقت وجود الدولة لفترة طويلة، إلا أن الحكومة السعودية ترى بأنه يحق لها استخدام الأراضي لمتابعة مشاريعها.

وخسر ما لا يقل عن 20 ألف شخص مرتبط بقبيلة الحويطات منازلهم في هذه العملية، حيث يقطن أغلب هؤلاء الأشخاص في قبيلة الحويطات، والتي تتوزع في الأردن وفلسطين ومصر والسعودية؛ وتنجز الحكومة نقلها القسري لقبيلة الحويطات وغيرهم من السكان المحليين بذريعة حقها في الملكية، في إخفاء للعنف الضمني الذي تمارسه، والمعاناة الحقيقية للسكان، اللذان تتضمنهما هذه العملية.

ومن خلال حق الملكية، تطالب الحكومة بالسلطة القانونية على الأرض وتقدم تعويضًا إلى الحائزين الحاليين، وكل ذلك تحت تهديد استخدام قوة الدولة في حالة عدم الامتثال؛ والخلاصة وبعيداً عن أي عناوين مضللة، فإن الحقيقة هي أن السلطة استخدمت سياسة "إما التعويض عن المسكن، أو الخروج تحت تهديد السلاح".

التهجير القسرى

ويطارد سيناريو ما حدث مع قبيلة الحويطات أذهان السعوديين، إذ يخشون تطبيقه في البقاع التي تقع فيها المحميات الملكية الست، وتوجد مخاوف لديهم من عمليات التهجير القسري المرتقبة وما سيترتب عليها من زيادة الاحتقان بين السلطة وبين الشعب وتوتر الأوضاع وما حدث لعائلة الحويطات خاصة أن هدم جدة أيضا ليس ببعيد.

وبرزت تساؤلات عدة أثيرت حول توسع المحميات الملكية، منها: "هل من المعقول أن يتم تحديد مساحات كبيرة وشاسعة من الأراضي السعودية قد تصل في مساحاتها إلى دول لجعلها محميات ملكية في حين أن عدد كبير من الشعب السعودي لا يجدون مسكنا ولا يلتفت إليهم أحد؟" وبأي حق يسلب الشعب أراضيه ويحرم منها تحت مسمى المحميات الملكية ليس هذا فقط بل إنشاء مجلس لها؟".

هدد جدة

وعروجا على ذكر هدم جدة، فتحت مسمى "التطوير" أعلنت السلطات السعودية بداية العام الماضي أنها ستقوم بإزالة بعض من الأحياء في مدينة جدة والتي تعد أكبر ثاني مدن السعودية، وزعمت أن هذه الإزالة بسبب المخالفات القائمة في هذه الأحياء العشوائية ومخالفتها للشروط العامة للبناء، إضافة إلى أنها تشكل معقلا للجريمة والرذيلة، وهو ما أثار غضب السعوديين.

واشتكى سكان أحياء هدمت حديثاً في مدينة جدة السعودية، من عدم تلقيهم تحذيرات مسبقة لنقل حاجاتهم وترتيب أمورهم ولم يتلقوا أيضا تعويضات قبل هدم منازلهم، وأكدوا أنهم يعيشون هناك منذ فترات طويلة مع أسرهم، إذ توفر تلك الأحياء سكناً مريحاً للمواطنين والمغتربين الأقل دخلاً.

وعبر السكان عن غضبهم، من شيطنة السلطات لهم ووسمهم بأنهم تجار مخدرات، ومجرمون، وعمال جنس، ووصف المنطقة بأسرها بأنها عشوائيات.

وذكر الأهالي أن الجرافات هدمت مناطق واسعة في المدينة وسويت بالأرض، وحولتها إلى أكوام من الحطام، في مشهد يذكر بمخلفات الحروب، وانتشرت آنذاك مقاطع فيديو مصورة لهدم أبنية سكنية كبيرة على الانترنت، وانتشر هاشتاغ "هدد_جدة" على تويتر لعدّة أسابيع.

حقيقة الأمر أن السكان الذين اعتادوا الإقامة في المنطقة لن يستطيعوا العودة إليها لأن العقارات المخطط لها، ستصبح عالية الكلفة، ومخصصة للأثرياء، وبالتالي أصبح الكثير من السكان بلا مأوى مما اضطرهم للانتقال إلى أحياء أبعد حتى يكون الإيجار أقل تكلفة، في حين عاد البعض إلى الإقامة في منازل أسرهم في مدن أخرى.

صندوق الاستثمارات

التذرع بالمصلحة العامة كان مبرر السلطات السعودية في تعاملها مع قبيلة الحويطات وأهالي جدة لإتمامها الإخلاء القسري لآلاف السكان، وهو المتوقع اتباعه لسرقة الأراضي الشاسعة بمسمى ضمها لـ"المحميات الملكية"، والذي يعد واحدا من ملفات فساد كبيرة مرتقب تعاظمه في ظل رئاسة بن سلمان لمجلس المحميات وفي حال صمت الشعب عنه.

ولعل توسع بن سلمان في السيطرة على مجلس المحميات الملكية وتوسيع الشبوك على الأراضي السعودية، يماثل سيطرته على صندوق الاستثمارات السعودي وتبديد أمواله، خاصة أنه أصبح بمثابة دولة داخل الدولة، يزاحم أنشطة القطاع الخاص السعودية، وهو ما ينبئ بزيادة سيطرة هذه السلطة على كافة الجهات والهيئات.

في يناير/كانون الثاني 2023، أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها أن ولي العهد السعودي، "يضغط" على عمل صندوق الاستثمارات العامة، بشأن كيفية استثمار ثروات النفط، مشيرة إلى أن طريقة إدارة ولي العهد السعودي لأموال الصندوق تثير حفيظة مسؤولين ماليين، خاصة ما يتعلق بمشاريع صغيرة.

وكالة بلومبيرج، قالت في 12 يوليو/تموز 2023، إن صندوق الاستثمارات العامة السعودي خسر في الأنشطة الاستثمارية نحو 11 مليار دولار خلال عام 2022، مشيرة إلى أن الصندوق يمر في خضم موجة استثمارية عالمية بعد أن تم تحويله من شركة قابضة تركز على المستوى المحلي إلى صندوق سيادي عام 2016.

وبينت "بلومبيرغ" أن صندوق الاستثمارات العامة السيادي يدعم المشروعات الكبيرة التي يشرف عليها ولي العهد السعودي، مثل مشروع السياحة الرائد في منطقة البحر الأحمر ومنطقة "نيوم" الاقتصادية المزمعة بتكلفة 500 مليار دولار ومدينة "القدية" الترفيهية.