تتكشف تباعا بوادر إعلان السلطات السعودية تطبيع علاقتها رسميا مع الاحتلال الإسرائيلي، ويغلب على غالبيتها ضلوع البيت الأبيض فيها، ومن أبرزها تقديم رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، الشكر للولايات المتحدة الأميركية لعملها من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة السعودية التي وصفها بأنها "دولة رائدة في المنطقة والعالم الإسلامي بأسره".
وفي خطاب ألقاه هرتسوغ خلال جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي بمناسبة مرور 75 عاما على إقامة ما تسمى "دولة إسرائيل" في 19 يوليو/تموز 2023، قال: "نحن نصلي من أجل أن تأتي هذه اللحظة.. سيكون هذا تغييرًا كبيرًا في مجرى التاريخ في الشرق الأوسط والعالم بأسره".
وتطرق رئيس الاحتلال الإسرائيلي إلى اتفاقات السلام التي وقعها الكيان مع دول عربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان) في 2020، والتي تعرف بـ"اتفاقات إبراهيم"، قائلا: "منذ توقيع الاتفاقيات، زار أكثر من مليون إسرائيلي هذه الدول، وهذا تعبير واضح عن رغبتنا في الاندماج بالمنطقة".
وكان هرتسوغ، قد دعا في مقابلة مع صحيفة "إسرائيل هيوم" في مايو/أيار 2022، السعوديين للانضمام إلى "عائلة" الاتفاقيات التي أبرمت بين "إسرائيل" ودول خليجية، وقال: "بالطبع سيسرّني الوصول في زيارة علنية إلى السعودية في المستقبل"، مضيفا أن مسألة انضمام السعودية إلى تلك الاتفاقيات ليست متعلّقة بإسرائيل حصراً، وإنّما بعوامل داخلية سعودية وبالعلاقات السعودية الأميركية.
وجاء شكر رئيس الاحتلال الإسرائيلي لأميركا على دورها في تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، بذات الشهر الذي كشف فيه الرئيس الأميركي جو بايدن، في مقابلة مع شبكة السي إن إن، أن "السعوديين" ليس لديهم مشكلة كبيرة مع إسرائيل، قائلا إن الجانبين أمامهما طريق طويل حتى يبرما اتفاق تطبيع، يتضمن معاهدة دفاع وبرنامج نووي مدني من أميركا.
وتمكنت أميركا بوساطتها التي تلعبها بين السعودية وإسرائيل من تحقيق عدة منجزات لصالح الاحتلال، أبرزها السماح في يناير/كانون الأول 2022، لطائرة رئيس الكيان الإسرائيلي بعبور الأجواء السعودية وهو في طريقه لزيارته الأولى إلى الإمارات عقب تطبيع العلاقات بين الجانبين عام 2020 إثر وساطة الحكومة الأميركية.
وعرضت مصادر إعلامية إسرائيلية حينها مقطع فيديو يوثق ابتهاج الرئيس الإسرائيلي، ويظهر إخبار الطيار للرئيس هرتسوغ بالتحليق فوق الأجواء السعودية مباشرة، وهو ما ردّ عليه بالقول "أنا منفعل! تخيلنا هذه اللحظة في السابق"؛ وأظهرت اللقطات المصورة مكوث هرتسوغ في حجرة الطيار لمشاهدة العبور فوق السعودية، وقال: "رائع.. إنّها حقا لحظة مثيرة للغاية".
وفي 15 يوليو/تموز 2022، فتحت السعودية أجوائها "لجميع الناقلات الجوية"، على نحو تُرجم عمليًا بالسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور المجال الجوي للمملكة، وهو الأمر الذي تفاخر به الرئيس الأميركي في تصريحات لوسائل الإعلام في المكتب البيضاوي قبل اجتماعه مع نظيره الإسرائيلي، في 19 يوليو/تموز 2023.
وقال بايدن: "لقد فتحنا المجال الجوي لإسرائيل فوق المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بعد زيارتنا هناك، وجمعنا الإسرائيليين والفلسطينيين معا على المستوى السياسي في مدينة شرم الشيخ بمصر".
وبينما يحاول هرتسوغ التبشير بالتطبيع مع السعودية، تتواصل مظاهرات الإسرائيليين في الشوارع احتجاجا على مشروع التعديل القضائي الذي قدمته حكومة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المتشددة، ويرون أنه يهدف إلى "القضاء على الديمقراطية"؛ وتطورت إلى قطع الطرق الرئيسية وإيقاف عمل المؤسسات والإدارات والمحاكم المدنية في حيفا والبورصة في تل أبيب.
وأفاد وسائل إعلام عبرية، بأن الرئيس بايدن حذر خلال اتصال هاتفي مع نتنياهو من أن الصراع الداخلي في "إسرائيل"، وتفجر الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، يجعل من الصعب إحراز تقدم في قضية التطبيع السعودية؛ وهي إحدى القضايا التي حددها نتنياهو لنفسه كهدف، وسيكون تحقيقه بمثابة انتصار سياسي له في وقت تواجه حكومته الائتلافية اليمينية المتشددة معارضة داخلية شرسة.
وجاء أيضا من بين بوادر إعلان التطبيع السعودي مع الكيان المحتل مشاركة لاعبين إسرائيليين ببطولة فيفا الإلكترونية التي اقيمت في المملكة في 11 يوليو/تموز 2023، ورفع خلالها اللاعبين علم الكيان المحتل، كما عزف النشيد الوطني الإسرائيلي خلال مراسم افتتاح البطولة.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن إدارة بايدن تضغط بقوة، للوصول إلى تطبيع بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي والذي ربما يتضمن اتفاقا نوويا، موضحة أن مسألة الوصول إلى اتفاق مهمة صعبة، لأن المطالب المطروحة كبيرة، فالسعودية تريد الحصول على موافقة على برنامج نووي سلمي للطاقة، ونتنياهو يريد اتفاق تطبيع ليشعر بالانتصار أمام خصومه في الداخل.
وأوضحت في تقرير لها في يونيو/حزيران 2023، أن بايدن ومساعدون يضغطون من خلال مسعى دبلوماسي قوي؛ في حين تطالب الرياض بمطالب مهمة مقابل التطبيع، بما في ذلك الحصول على المزيد من الأسلحة الأمريكية، وموافقة أميركا على أن تقوم المملكة بتخصيب اليورانيوم كجزء من برنامج نووي مدني، وهو أمر طالما عارضته واشنطن.
وفي مايو/أيار 2023، نقل موقع "أكسيوس" الإعلامي عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن إدارة بايدن تبذل جهودا من أجل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل قبل نهاية العام الجاري، مشيرين إلى أن البيت الأبيض يسعى لتحقيق التطبيع خلال الـ 6 أو 7 أشهر المقبلة، قبل أن تبدأ الحملة الانتخابية تتصدر أجندة الرئيس جو بايدن.
وأفادوا بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان، الذي التقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بجدة في 8 مايو/أيار 2023، قال له إن الولايات المتحدة تعتقد بأن هناك إمكانية لعقد الصفقة بين السعودية وإسرائيل قبل نهاية العام؛ فيما رجح مراقبون أن يعلن التطبيع قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وينظر ولي العهد السعودي إلى إسرائيل على أنها "حليف محتمل"، بحسب تصريحاته في مقابلة له مع مجلة "ذي أتلنتيك" الأميركية في مارس/أذار 2022، إذ أعرب عن أمله أن تُحل ما وصفها بـ "المشكلة" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو التصريح الذي نظر إليه حينها على أنه تمهيدا لإعلان تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
وأفاد السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل مارتين انديك، في مقابلة مع الـCNN، بأن هناك 3 مطالب "باهظة الثمن" لولي العهد السعودي، مقابل التطبيع، وهي "ضمانة أمنية من أميركا مثل التزام الناتو بموجب المادة الخامسة تجاه السعودية، والتدفق الحر للأسلحة بما في ذلك طائرات F-35 من أميركا، وإعطاء واشنطن الضوء الأخضر لقدرة سعودية مستقلة على تخصيب اليورانيوم".
وتجدر الإشارة إلى أن الثمن الذي تطلبه السعودية من واشنطن مقابل التطبيع الرسمي مع إسرائيل ليس سياسيا وأمنيا فقط، وإنما يتضمن استكمال الصفقة تلميع صورة ولي العهد وغسيل جرائمه والتغطية على صورته كحاكم ديكتاتوري استبدادي، بالإضافة إلى غسيل سمعة المملكة.
وبدوره، قال الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض الدكتور عبدالله العودة، إن الأميركيين يتحدثون بأن بن سلمان مستعد للتطبيع مع إسرائيل مقابل غسيل جرائمه الدولية، إذ لا يريد للعالم أن يلتفت إلى انتهاكات حقوق الإنسان وجرائمه ولا إلى قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأشار في حديثه مع صوت الناس، إلى أن علاقة ولي العهد السعودي مع دولة الفصل العنصري والاحتلال "غير رشيدة" وليس لها أساس شعبي، وهو يعلم أن السعوديين كارهين لهذه العلاقة، ولذلك يستخدم الحديد والنار لتمرير هذا التطبيع، وألغى كل الأصوات الرافضة لها، وترك كل الأصوات التي تجهز وتهيئ لعملية المسخ المعرفي ومحاولة التجهيل والتعتيم.
ولفت العودة، إلى أن بن سلمان جهز لإعلان التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة بمحاولة شيطنة الفلسطينيين، وكل القضايا العربية والإسلامية وكل ما يربط بأوصال العلاقات والعمق الاستراتيجي مع المحيط العربي، معربا عن ثقته بأن الغالبية الساحقة من الشعب السعودي يرفضون هذه العلاقة ويروها ظالمة قائمة بين مغتصبان ظالمان مستبدان.
وأضاف أن العلاقات السعودية الإسرائيلية هي بالأساس علاقة بين نظامين يستفيدان ببعضهم البعض في عمليات تجسس وملاحقة الآخرين والظلم والنكاية، لافتا إلى أن بن سلمان دفع الملايين لشراء برامج تجسس إسرائيلية استخدمها في ملاحقة المعارضة السعودية بالخارج، والتجسس على شعبه وبنات عمه.
ورأى العودة أن بن سلمان الذي ارتكب كل الموبقات، فإن التطبيع بالنسبة له أدنى ثمن، مؤكدا أن ولي العهد السعودي ليس لديه أي إشكالية تماما مع التطبيع المباشر العلني، وبدأ بالفعل خطواته في هذا الاتجاه، لكنه يريد ثمن أكبر لإعلانه رسميا، لكن تلك الجهود الحثيثة نحو محو ذاكرة الشعب ستبوء بالخسران.
وأضاف: "نرى أنه برغم أدوات التجهيل لا يمكن مسح ذاكرة شعب بالقمع والإرهاب والسجن والاعتقالات والإعدامات، هذا النوع من الترهيب يمكن أن يخيف الناس لكنه لا يمكن أن يغير الوعي ولا ذاكرة الشعب ومعرفته وانطباعه"، مؤكدا أن القضية الفلسطينية في وعي الشعب بكافة أطرافه.