كلنا كبشر قد نتعرض للاضطهاد والاستبداد تبعاً لشكل النظام السياسي، ولكن ما تتعرض له المرأة العربية بشكل عام والمرأة "السعودية" بشكل خاص قاهر ويرقى إلى مستوى جريمة سواء من الجانب السياسي او الاجتماعي أو كلاهما معاً.
التعنيف بكل أشكاله، التمييز، وصولاً إلى القتل لا يجب مداراتها او التقليل من أهميتها والتماس الأعذار بحجة الشرف أو سواها. والتمييز هنا على حسب الجندر، له موروث ديني واجتماعي شئنا أم أبينا، وهنا يجب تجديد الخطاب الديني والنظر في ثقافتنا وتاريخنا واستخلاص ما هو نافع لنا ويسير بنا نحو التقدم. والقانون والسياسة لهما أحاديث أخرى منفردة.
ولكن ما يهم هنا بالتزامن مع القانون سواء وضع لصالح المرأة ام لا، فُعِّل أم لم يُفعّل، ما يهم هو الوعي بالذات، بالكينونة، وهنا اقصد وعي المرأة بذاتها، وجودها، كيانها، قوتها..أن تدرك أنها جزء لا يتجزأ من المجتمع وأنها عندما تكون أُماً فهي معلمة ومربية لا عاملة!
عندما تكون المرأة واعية لن تسمح بأن تكون مادة للسخرية والضحك وضرب الأمثلة بالضعف وقلة الحيلة، وتشارك مع عديمي الوعي والإحساس بالضحك عليها! لن تقبل بأن تكون ضد اختها المرأة بل تدعمها، تصوت لها، تقف معها تكون كما تريد هي أن تكون، لا كما يريد لها الآخر.
المرأة عندما تكون واعية ستنشئ جيل واعٍ ، كيف لا؟! وهي تربي النصف الآخر، إذا لم تكن المرأة أولاً واعية فعلى الدنيا السلام!
المرأة الواعية هي التي ستحدث التغيير إلى صالحها، الأمر بديهي جداً أن تصبح نسويّة! بعيداً عن الخوض في دهاليزها لأي غرض كان، فالنسوية ليست كفراً ولا جريمة! فإذا كان الدفاع عن حقوق الإنسان والتعبير عن الرأي يعتبران جريمة من وجهة نظر المستبد قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، فربما تكون النسوية كفراً وجريمة ليس من وجهة نظر المستبد فقط بل حتى من قِبل بعض فئات المجتمع التي قد تتفق معه وتشن الحروب على كل امرأة تحدث ضجيجاً تريد به حقها وشرح معاناة المرأة، ونشر الوعي بأدق الأمور التي من شأنها أن تحط من شأن المرأة أو تستهين بعقلها وقدراتها، كل إنسان هنا عليه أن يكون نسوياً، فإن أبى الجنس الآخر ذلك فعليه أن يصمت؛ لأننا أمام إحدى الخيارين إما نهضة إنسانية متكاملة لن تكون إلا بوجود مجتمع حُر صحي يحترم بعضه بعضاً لا يطغى إحداهما على الآخر بتصحيح العديد من المفاهيم وإعادة النظر فيها وصولاً إلى سن وتغيير القوانين إلى تلك التي تخدم الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، أو أن نكون مجتمع متخلف لا يعرف سوى تطور العمران؟! لذلك ساهم بالنهضة بالعمل على توعية نفسك ثم غيرك أو اصمت.
وهنا لا يمكن أن نتحدث عن النسوية وشرف الدفاع عن حقوق المرأة دون أن نذكر محمد الربيعة الناشط الحقوقي والناشط في حقوق المرأة ، الذي تم اعتقاله في 15 مايو 2018 بتهمة مخالفته نظام مكافحة الإرهاب وغيرها من التهم المعلبة ونعته بالخائن بالصحف المحلية، وقد تعرض للضرب بالعصي والجلد والصعق بالكهرباء واحتُجز في خزانة ملابس صغيرة لعدة أيام غير قادرٍ على الجلوس أو النوم، وعلق رأسًا على عقب، وضرب وركل ولكم حتى أغمي عليه.
مثلما ندافع عن غيره عندما يقع عليه الظلم مهما اختلفنا معه، لمحمد الربيعة حق الدفاع عنه، له المجد، فرّج الله عنه، وتحضرني الآن كلمات عبدالله المالكي عندما ذكر في كتابه "سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة" ( لعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى سوء الفهم، وحصول الالتباس حول مفهوم "تطبيق الشريعة" تكمن في منطق الاختزال الذي تمارسه بعض الخطابات الإسلامية المحافظة، حين ترفع هذا الشعار، ولا تستحضر في وعيها إلا باب العقوبات أو الحدود، أو لباس المرأة وفق كيفية معينة، او تقوم بتضخيم هذين الموضوعين ضمن شعار "تطبيق الشريعة" على حساب المضامين الكبرى المتعلقة بتحقيق" العدالة الاجتماعية" ورفع "الظلم والطغيان".
وبناءً على هذا الاختزال في مفهوم "الشريعة" فإن الدولة التي تطبق الحدود، أو على الأقل تعلن ذلك من دون النظر إلى حقيقة واقعها، وتلزم المرأة ببعض الأحكام التي ربما قد تكون في غالبيتها فتاوى اجتهادية، ومحل اختلاف وتنوع بين المذاهب الفقهية، تصبح حينئذ الدولة -وفق هذه الرؤية القاصرة-مطبقة للشريعة.
لذلك النسوية الواعية والنشاط في مجال حقوق المرأة دون تطرف هو حاجة مُلحة في هذا العصر وكل زمان حينما يضيق الخناق على النساء، ومن الطبيعي أن يكون لهذا النشاط الخاص مناوئين ومضللين للمصطلحات والكثير من الرافضين لموجة الوعي، والرافضات اللاتي لم يفككن بعد ما التبس عليهن من تشويش لمفهوم النسوية لأن الفهم الكامل لكل شيء ومحاولة ذلك لا يمكن أن يجعلك أن تمقت النسوية الحقيقية البعيدة عن التطرف.