ثمة بون شاسع بين ما نتناوله نحن الشعوب والساسة في الوطن العربي من سياسة بكل توجهاتها ومصطلحاتها، وبين تلك الدول في العالم الغربي التي لا يمكن مقارنتها في دولنا المتأخرة سياسياً وحقوقياً فيما يخص الشعوب.
من المعروف أن أولى ركائز أدبيات العلاقات الدولية هي المصالح، ولكن السؤال هو مصلحة من؟!
من هذا المنطلق ثمة مصلحة الشعب بالدرجة الأولى وهذا يقتضي حفظ حقوقه وحرياته وكرامته والاهتمام بتعليمه وصحته وكل ما يحقق الرفاه للإنسان، وثمة حفظ الحدود وموارد الدولة وإقليمها وسيادتها، والشيء الأخير هو مصلحة الحاكم الخاصة وهذه هي المشكلة عندما تطغى على كافة المصالح لا سيما عندما يتسم النظام السياسي بالحكم المطلق أو الدكتاتوري، من هنا تبدأ معاناة الشعب المقهور وخصوصاً عندما يقدس حاكمه ولا يرى سوى بعينه بعد ما أُعمي عن رؤية الحقائق كما هي.
للإعلام ومناهج التعليم والثقافة السياسية وأنواع الأنظمة السياسية دوراً في تعزيز الثقة في الحاكم، وعندما تكون ملكية مطلقة يصبح الوضع أصعب وأعقد ويحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير لإعادة الأمور إلى نصابها، وإلى ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، عندما يتم تجهيل الشعب وسلبه كافة حرياته هنا تنشأ أجيال تجهل قيمة المشاركة السياسية، وأن تختار حاكمها، لا تعرف مدى قوتها وأنها أحد أسباب بقاء الحاكم، عندها يتمكن الحاكم من اللعب في مقدرات الدولة دون حسيب أو رقيب والمواطن قد لا يجد عشاء ليلة ومع ذلك يصفق له، يستبدل ثقافته بأخرى دخيلة عليه وهو يشجع ويدافع عنه! يرهبه الحاكم لكي لا يبدي رأيه فيفعل وقد لا يكتفي بالصمت بل يبرر له قتل من صدع بالحق واعتقال خيرة بنات وأبناء البلد وتجريمهم وتخوينهم، هنا يضرك الحاكم ويستعبدك حين يسلبك الحرية ويقيدك بقيوده الخاصة وأن لا يكون معنى لوجودك عندما لا يحترمك في اتخاذ القرار وتحديد المصير، يضرك الحاكم حين يسيس العلم ويوجهه وفق مصلحته الخاصة، حينئذ تتضخم ذاته، وتنسى أن الحاكم ليس سوى خادماً للشعب يقوم على تلبية شؤونهم وفق حقوق وواجبات للحاكم والمحكوم وفق تعاقد يتم بينهما، وتغفل عن ما أمرك الله به من إنكار المنكر وتقويم الحاكم حين يخلّ بالشروط فلا تعود ترى إلا ما يرى حاكمك.
بالنهاية شعبُ يؤمن بالمستبد حد العمى لن يُبصر نور الحق والعدالة، ولن يُدرك ما يُحاك ضده من حاكمهم.