الأيام مترابطة مع بعضها، حيث تتراكم بالذاكرة تفاصيل الأحداث ولكنها تُبقي على تلك الهامة منها في المقدمة أو تُلقي بها في طي النسيان! ولكن تلك الأحداث التي هزّت أركان العالم لا سيما الكبرى منها قد تكون في غاية الوحشية لبشاعة الجريمة كحادثة اغتيال جمال خاشقجي -رحمه الله- في 2 أكتوبر 2018 في قنصلية المملكة السعودية في إسطنبول.

عندما انتشر خبر اختفائه ولجت تويتر أبحث عن خبر هنا وهناك، فوجدت د. محمد المسعري قد وصف جمال بالشهيد! لم أصدق الخبر! وكان لا بد من التروي، ومع تخبط السلطات السعودية وتسمُرنا أمام الأخبار..وبين اختطاف واختفاء، أخيراً يُذاع خبر اغتيال جمال بملامح تلك الإعلامية التي طغى عليها الاستنكار والحزن!

فاجعة ألمت بنا جميعنا، وحقائق صادمة تخرج من الجانب التركي بين الفينة والأخرى، حتى ذلك المؤيد للمستبد لم يصدق إذ صرخ قائلاً "هذه أعمال مافيا..وليست أعمال دولة" أي حقد هذا يكشف ما في الإنسان من شر لا يقوى عليه إلا طغاة لا مكان للإنسانية عندهم، عندما تحضر السلطة ويشعر صاحبها بأنه مهدد وعليه أن يقوم بالتصفية ظناً منه أنه سيصفوا له العيش، كان خبر تقطيع جمال كالصاعقة يعجز عن تصديقه الخيال! بأي عصرٍ نحن؟! ما هذا الانتقام! وجريمة خاشقجي؟! تكمن بأنه مخزن لأسرار الساسة وهذا ما يقض المضاجع عندما بات يصدع بالحق والحريات، وصار يغرد خارج السرب.

جريمة نكرّاء لا يقدم عليها الأسوياء، جعلت محمد بن سلمان المسؤول الأول عن اغتياله، مادة للسخرية والازدراء، كما فعل الرئيس التشيكي -ميلوش زيمان- عندما مازح الصحفيين في بلاده قائلاً "أحب الصحفيين، ولهذا السبب قد انظم حفل استقبال لهم هذا المساء في السفارة السعودية" في إشارة منه لمقتل خاشقجي.

لا جثة لجمال! أين هي الآن؟ لا أحد يعلم! هل ذهبت أدراج الرياح؟! لم تأخذ العدالة مجراها بعد، مع وجود دبلوماسية الدولار وغيرها من المصالح التي لا تقاوم ولا تجعل النُبذ والنفور يدومان طويلاً للقاتل المجرم محمد بن سلمان، ولكن هذا الحكم القائم على الظلم ودماء الأبرياء لن يبقَ إلى الأبد، وجمال لن يخبو ذكره ولن يسقط من ذاكرة التاريخ كرجل حُر لم يظلم أحد، تاريخ يشهد عليه ملايين الأنام، ومحمد بن سلمان مهما حاول النهوض سيسقط في وحل التاريخ وذاكرته وسيبقَ سفاحاً وكرمز للظلم والإجرام والاستبداد ولا يصح إلا الصحيح.