المملكة تتصدر مؤشر الثقة في أداء الحكومات لعام 2024".. بهذا العنوان وما على شاكلته عنونت صحف ومواقع سعودية تقاريرها، واحتفت بإعلان شركة "إيدلمان" للاستشارات والعلاقات العامة، تصدر المملكة مؤشر لقياس مستويات الثقة والمصداقية بين الحكومة والمواطنين، والزعم أنها حققت نسبة 86% بزيادة 5% عن العام الماضي.
كما تلقفت قنوات تلفزيونية سعودية الخبر وفتحت مساحات لضيوف ليواصلوا الحفاوة بالتقرير والادعاء بأن "الشرعية السياسية العميقة ومساهمة المواطن السعودي ورحلة تحول المملكة هي أبرز الأسباب التي مكنت السعودية من تصدر قائمة مؤشر الثقة العالمي"، فيما روج كتاب وإعلاميون محسوبين على السلطة للتقرير.
وبرز التعامل مع تقرير "إيدلمان" على أنه تفوق وتميز عالمي جديد للوطن، ودليل فخر وارتقاء ونجاح يحسب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورؤيته ويضاف لإنجازاته، وسوق للتقرير على أنه نتيجة غير مستغربة، وبرهان على التواصل بين الحكومة والمواطنين وقدرتها على تلبية متطلباتهم.
ولكن ما مدى مصداقية هذا المؤشر؟ وما مدى نزاهة الجهة التي أعلنت تلك النتيجة؟ وما هي القياسات التي قيست بها ثقة المواطنين بحكومتهم؟ ومن هم المواطنين الذين أعربوا عن ثقتهم في حكومتهم؟ وما هي العينة التي استند إليها التقرير في تقيمه؟ وما جهة عملهم ومستوى دخلهم والحريات التي يتمتعون بها؟
"صوت الناس" ستجيب عن تلك التساؤلات وغيرها في هذا التقرير
شركة شريكة
بداية "إيدلمان" صاحبة التقرير هي شركة علاقات عامة أميركية تبلغ قيمتها السوقية 1 مليار دولار، وسُميت باسم مُؤسسها دانييل إيدلمان الذي توفي سنة 2013، ويُديرها الآن ابنه ريتشارد إيدلمان، وتعتبر أكبر شركة علاقات عامة ذات ملكية خاصة، وتمتلك مكاتب في أكثر من 65 دولة حول العالم، وتعد أكبر شركة علاقات عامة مملوكة بشكل مستقل في العالم.
الشركة اقترن اسمها باسم المملكة العربية السعودية بقوة منذ اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وما صاحبه من تشويه لصورة المملكة وتدمير لسمعة ولي العهد الذي أثبتت تقارير الاستخبارات الأميركية ضلوعه في الجريمة.
وكشفت جهات إعلامية أميركية وبريطانية لجوء السلطات السعودية لشركات علاقات عامة لتلميع صورتها وغسل سمعتها، خاصة منذ وصول بن سلمان لهرم السلطة، بهدف تبييض سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان وتورطها بحرب اليمن منذ مارس/آذار 2015 قبل أن تتركز عليها الضغوط عقب اغتيال خاشقجي.
ومنها موقع "بوليتيكو" الأميركي الذي أفاد في يوليو/تموز 2022، أن المملكة تعاقدت مع إيدلمان لتحسين صورتها لدى الغرب، لاسيما بعد قضية مقتل خاشقجي، مقابل 2،953،125 ريالًا، أو نحو 787 ألف دولار، على مدار عام.
وأشار الموقع إلى أن إيدلمان، لديها تاريخ من العمل في المملكة ومعها، ففي عام 2020، سجلت إيدلمان لدى وزارة العدل لتمثيل الشركة السعودية للصناعات الأساسية، وهي شركة تنتج مواد كيميائية ومواد أخرى مملوكة في الأغلب للحكومة السعودية، وذلك في صفقة بلغت قيمتها حوالي 6.7 ملايين دولار.
وأوضح أن شركة العلاقات العامة أدت أعمال العلاقات العامة لشركة نيوم، والتي تعمل على تطوير "المدينة الذكية" ضمن رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي، ولكن العقد الحالي مع الرياض قد يكون من أكثر العقود المربحة بين شراكاتها مع المملكة في السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أنها تعهدت بمراقبة المحادثات عبر الإنترنت والتغطية الإعلامية لتحديد" الأصدقاء "والمنتقدين"، و"بدء برنامج بناء العلاقات لجهات الاتصال الإعلامية القائمة في الولايات المتحدة"، واستضافة "اجتماعات العملاء الشهرية".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أكدت صحيفة الجارديان البريطانية، أن السعودية وظفت شركة إيدلمان لتلميع صورتها أمام الرأي العام الأمريكي من خلال التركيز الإعلامي على ثناء جهود الحكومة السعودية في تمكين المرأة، والترويج لصورة الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، سفيرة المملكة في واشنطن.
وقالت إن الشركة تلقت مبالغ بقيمة 5.6 مليون دولار مقابل نشر تقارير إعلامية عن الإصلاحات التي قام بها ولي العهد في مجال تمكين المرأة السعودية، كما وقعت الحكومة السعودية صفقة معها بقيمة تفوق الـ 3 مليون دولار، مقابل تزويد مشروع نيوم بالمشورة الاستراتيجية والعلاقات الإعلامية، وغيرها من الأعمال الترويجية حتى يوليو 2023.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه في أغسطس/آب 2022، قامت شركة United Entertainment التابعة لشركة إيدلمان، بالتعاقد مع صندوق الاستثمارات العامة؛ للترويج لجولة الجولف السعودية المثيرة للجدل LIV، مؤكدة أن معظم عمل إيدلمان لصالح النظام السعودي ركز على إعادة تأهيل سمعته في أميركا.
وبذلك يمكن استخلاص أن شركة إيدلمان هي شريكة للحكومة السعودية من جانب وتتلقى أجر مقابل ما تقدمه من خدمات من جانب آخر، ولذلك فهي ليست صاحبة شهادة مجردة من المصالح تمكنها من تقديم تقارير تقيم مدى ثقة المواطنين في حكومتهم، وإنما ما تعرضه من تقارير جزء من عملها لتبييض صورة الحكومة السعودية.
انتهاكات حقوقية
أما من ناحية الحقوق والحريات فالشعب السعودي لا يملك أدنى معدل منهما ليتمكن من الإعراب عن استيائه من أداء السلطات أو انتقادها بأي شكل من الأشكال، لاسيما الحريات السياسية المنعدمة، بالإضافة إلى سجل المملكة العامر بالانتهاكات التي تطال كافة فئات الشعب، وتكميم الأفواه والقمع والاعتقال وتغييب الحقيقة وتضليل الرأي العام، وغيرها.
فالمملكة التي تحتفي بأنها تتصدر مؤشر الثقة في أداء الحكومات لعام 2024، حكمت في العام ذاته على طالبة الطب سارة الجار، بالسجن لمدة 27 سنة، يتلوها حكم آخر يقضي بالمنع من السفر لمدة 27 عاما مثلها، وذلك على خلفية التعبير عن رأيها على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في حكم صادر عن المحكمة الجزائية المتخصصة.
كما دخل 7 ناشطات سعوديات معتقلات في إضراب عن الطعام، احتجاجا على احتجازهن التعسفي، ومحاكمتهن الصورية، وللضغط من أجل الإفراج عنهن؛ وبينهم الناشطة سلمى الشهاب التي حكمت عليها محكمة سعودية بالسجن لمدة 6 أعوام ورفعت إلى 34 عاما مع المنع من السفر لمدة مماثلة للحكم، بسبب نشاطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضا.
ويقبع في سجون المملكة التي يزعم تصدرها مؤشر الثقة في الحكومة علماء وأكاديميين ودعاة ومؤثرين ورموز بارزة في المجتمع راحوا ضحية حملات اعتقالات واسعة ومتتالية شنها ولي العهد منذ وصوله إلى هرم السلطة، بهدف إخراس أصواتهم وتكميم أفواههم عن المطالبة بالإصلاح والحقوق والحريات، وتتجاهل السلطة كافة الدعوات المطالبة بإطلاق سراحهم.
وتواجه السلطات السعودية اتهامات من منظمات حقوقية بارزة بالاستخفاف بالالتزامات والقوانين الدولية، وانعدام الشفافية، وإخفاء حقيقة الأرقام خاصة المتعلقة بمعدلات الفقر والبطالة وعدد المعتقلين والمعتقلات في سجونها والمحكومين بالإعدام، وممارسة التعذيب الوحشي في السجون، كما يوصف النهج الحكومي بأنه قائم على القمع والاستبداد.
وكون تقرير إيدلمان يلمح ضمنيا إلى أن السعودية دولة ديمقراطية يمارس فيها جميع المواطنين حقوقهم السياسية ويشاركون في صنع القرارات، فالحقيقة أن السعودية جاءت ضمن قائمة "أسوأ الأسوأ" في التقرير الصادر عن منظمة "فريدوم هاوس" الأميركية "غير الحكومية" ونالت أسوأ الدرجات الإجمالية للحقوق السياسية والحريات المدنية.
اعقدوا انتخابات
وتعليقا على تقرير إيدلمان، وصفه الأمين العام لحزب التجمع الوطني الدكتور عبدالله العودة بأنه "مضحك"، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية تمنع أبجديات وأساسيات قياس الرأي العام، وتغلق المؤسسات التي تستطيع فحص ودراسة رأي الشارع في البلاد وتلاحق من يريدون قراءة مؤشرات الشارع وتعتقلهم.
وأكد في حديثه مع "صوت الناس" أن مثل هذه التقارير تصدر من جهات تدفع لها الحكومة السعودية وتقدم أثمان باهظة لإعلان هذه الأرقام الوهمية، قائلا: "لا يمكن أن تقيس الرأي في مجتمع مقموع يعتقل ويعذب فيه من يقول لا، مما يجبر الباقين على وصف الحكومة بأنها رائعة وعظيمة إذا سألهم أحد عن رأيهم فيها، لأنهم ببساطة يخشون القمع والاعتقال".
وأضاف العودة، "أن أبسط طريقة لكشف مدى صدق النتيجة المعلنة هي عقد انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تحظى بإشراف المجتمع الدولي ومؤسسات محايدة ونرى من يفوز وإذا فازت الحكومة فسنغلق كل أبوب المعارضة ونتعهد بتسليم الحكومة".
https://www.noonpost.com/47448