كما جرت العادة في عهد الملك سلمان ونجله وولي عهده محمد بن سلمان، تحول السلطات السعودية أي استحقاق يمنح للمرأة السعودية إلى منفعة تصب في مصلحتها لتلميع صورتها أمام العالم والتغطية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان عموماً ولحقوق المرأة خصوصاً، وباتت تستخدم النساء لغسيل سمعتها والدعاية السياسية.
فقد سمح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في 25 سبتمبر/أيلول 2011 للمرأة بالمشاركة في عضوية مجلس الشورى -غير المنتخب والذي يضم 120 عضوا- والترشح للمجالس البلدية اعتبارا من الدورات القادمة، وهو ما فعله في دورة يناير/كانون الثاني 2013 وعين للمرة الأولى ثلاثين سيدة يشكلن خمس أعضائه. واحتفى الإعلام السعودي حينها بتلك الخطوة وتعامل معها على أنها خطوة تسهم في مشاركة المرأة في الحياة العامة وتمنح لها صلاحيات أوسع بعدما كانت مستبعدة من عضوية مجلس الشورى الذي يعد هيئة استشارية معينة له صلاحية مراجعة القوانين واستجواب الوزراء وهو ما لا يقوم به منذ تأسيسه بهذا الشكل المعلن لتأسيسه.
وانحرافاً عن الدور المفترض على أعضاء مجلس الشورى تأديته، برزت حالة من التطبيل والتماهي من قبل عضوات المجلس مع سياسات السلطة السعودية، فقد زعم وفد منهن خلال مشاركتهن في أعمال اجتماعات مجموعة العشرين للبرلمانيات (P20) الأول المنعقد في مدينة ماسايو بجمهورية البرازيل الاتحادية، أن المرأة شريكة في التنمية الوطنية.
وقالت عضو مجلس الشورى الدكتورة عالية الدهلوي، في كلمتها إن "رحلة التحول التي تمر بها المملكة العربية السعودية مع رؤية المملكة 2030، أسهمت بشكل فاعل في إيجاد فرص عمل متنوعة للجميع، لتضمن النمو الاقتصادي الشامل وإتاحة الفرص المتكافئة التي من شأنها الإسهام في ازدهار دولتنا والاستفادة منه".
وزعمت أن تمكين وتعزيز الأدوار الاقتصادية للمرأة شهد خلال السنوات الماضية، قفزات متتالية شكّلت معها نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل حالياً 35.3%، مدعية أن المرأة أصبحت شريكة في التنمية الوطنية العديد من القطاعات التجارية، والهندسية، والرياضية، والعدلية، والتكنولوجية وغيرها الكثير من المجالات.
والحقيقة أن ما ساقته عضوة مجلس الشورى عن وضع المرأة معاكس لكل ما أكدته التقارير الحقوقية عن وضع المرأة السعودية المزري في عهد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة وما يكشف عنه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن ما ادعته من محاولة لتلميع رؤية 2030 مغاير للتقارير والدراسات التي أثبتت فشلها.
وسلط مؤخرا ناشطون على منصة x، الضوء على اتخاذ النساء السعوديات من جوانب الطرق وتحت حرارة الشمس بسطات لبيع القهوة والمشروبات الساخنة بعدما ضاقت بهم السبل في الحصول على وظائف آدمية، ويتعرضن إلى ملاحقة من أمانة المدن، وهو ما يبطل ما قالته عضوة الشورى عن إتاحة فرص عمل متكافئة للنساء.
كما قالت منظمة القسط لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2023، إن النساء السعوديات بقين مواطنات من الدرجة الثانية على الرغم من الإصلاحات المتبجح بها، مؤكدة استمرار السلطات في استهداف نشطاء حقوق المرأة وحتى الأفراد الذين يعبّرون ببساطة عن دعمهم لحقوق المرأة، بالاعتقال والمحاكمة.
وأكدت أن السلطات السعودية استمرت في تشكيل إطار قانوني يؤثّر على حياة المرأة في السعودية في عام 2023 من خلال قانون الأحوال الشخصية (أو قانون الأسرة)، والذي، على الرغم من وصف السلطات له بأنّه يشكّل إصلاحًا كبيرًا، إلا أنه يرسّخ في الواقع خصائص خبيثة لمنظومة ولاية الرجل على المرأة التقليدية.
وقالت القسط إن قانون الجنسية السعودية استمر في التمييز ضد المرأة، وذلك على الرغم من التعديل الفني الطفيف في مطلع عام 2023.
وتحت عنوان ارفضوا ترؤس السعودية "لجنة وضع المرأة" الأممية، أشار مدير الأمم المتحدة لويس شاربونو، في مقال نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أن السعودية لديها سجل فاضح في حقوق المرأة، داعيا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للتخلي عن ترتيب لانتخاب السعودية لرئاسة المنتدى الأممي الأعلى لحقوق المرأة والمساواة الجندرية.
وأكد أن السعودية تميز ضد النساء وتضطهد ناشطات حقوق المرأة منهجيا. حتى الموقع الإلكتروني للبعثة الأممية السعودية يقر بأن الحكومة ليست رائدة في حقوق المرأة بقوله: "تتخذ السعودية خطوات صغيرة على طريق تقدم المرأة، ولكن الطريق ما يزال طويلا".
وفي تقرير لهيومن رايتس ووتش في 2019، عن أوضاع المرأة السعودية سلطت الضوء على الأسباب التي تدفع النساء هناك إلى الهروب، ومنها افتقادها حرية السفر أو الحصول على جواز سفر، واختيار شريك حياتها، وتعرضها للعنف الأسرى والإيذاء الجسدي والنفسي، تعرضها للتمييز في العمل، وعدم حصولها على الرعاية الصحية الكافية.
ورصدت أيضا من بين الأسباب، تكثفت السلطات السعودية حملة قمع منسقة ضد المنشقين ونشطاء حقوق الإنسان ورجال الدين المستقلين في ظل حكم بن سلمان، وامتد القمع في 2018، إلى المدافعين البارزين عن حقوق المرأة في البلاد ممن دعوا إلى إنهاء نظام الولاية. واعتقال ناشطات بارزات واتهام العديد منهن بجرائم خطيرة مثل الخيانة.
ولا تزال منظمة القسط وعدد من المنظمات الحقوقية تطالب بالإفراج الفوري عن المدافعين والمدافعات عن حقوق النساء في السعودية ويجددن مطالبهم بين الحين والآخر، وأعربوا في رسالة بعثوها إلى أكثر من 30 وزراء خارجية دول أعضاء بالأمم المتحدة في 2019، عن شعورهم بقلق بالغ إزاء تقارير التعذيب وإساءة المعاملة للمدافعين والمدافعات عن حقوق النساء المحتجزين والمحتجزات في السعودية.
وأوضحت المنظمات أن بعض المعتقلين والمعتقلات سجنوا بمعزل عن العالم الخارجي دون إمكانية الوصول إلى عائلاتهم أو محامين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من احتجازهم، كما تعرضوا لحملة تشهير عنيفة من قبل وسائل الإعلام التابعة للحكومة.
وأشاروا إلى أن من بين المدافعات والمدافعين عن حقوق النساء المحتجزات لجين الهذلول، عزيزة اليوسف وإيمان النفجان، ونوف عبد العزيز، وهتون الفاسي وسمر بدوي ونسيمة السادة ومحمد البجادي وأمل الحربي وشدن العنزي -بعضهم أفرج عنهم ولازالت السلطات السعودية تتعسف ضدهم وتفرض عليهم منعا من السفر رغم انتهاء مدة المنع المقررة قضائيا-.
وبدوره، أوضح عضو حزب التجمع ناصر العربي، أن مجلس الشورى مؤسسة غير ملزمة وكل أعضائها غير منتخبين، وعضويتها نوع من الامتياز الاجتماعي والمالي، موضحاً أن في عهد عبدالله تم تعيين النساء في الشورى كأول مره في التاريخ المحلي، وكانت الخطوة المتوقعة القادمة هي التحول نحو انتخابات و لو لنصف المقاعد، لكن لم يحدث هذا.
ووصف في حديثه مع صوت الناس، ما حدث في البرازيل وتصدير المرأة في الواجهة بأنه "نوع من التسويق الرخيص" حيث يعتقد بن سلمان أنه عندما يعين سفيرات من النساء وظائف عليا للنساء فهو كسب رضى الغرب، مؤكدا أن هذا وهم لأن الغرب لا يفكر فيه من الأساس، ولديه مصالح حيوية واقتصادية، لكنه ليس لديه القدرة ولا المعرفة لتقيم الفعل السياسي.
وأضاف العربي، أن بن سلمان يعتقد أن السياسية كالتسويق، وهذا نمطه في كل مشاريعه، يتصرف كتاجر فاشل أكثر من سياسي ناجح، قائلا: "لسان حال البرازيليين يقول، ممتاز لديكم نساء في الشورى، نريد التعاون على سن مشروع مشترك، يجاوب الوفد، أنهم ليس من صلاحيتهم هذا الموضوع، وهذا يحدث ليس مع نساء الشورى، بل مع كافة القطاعات، فالأمر الناهي في الأول والأخير هو بن سلمان".