تعاني غالبية أوطاننا في المنطقة العربية من الاستبداد، وهذا ما جعل معارضي هذه الأنظمة المستبدة يزدادون سواء كان في المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية ، الإمارات العربية المتحدة، أو حتى في الجمهورية العربية السورية قبل الاطاحة بنظام الأسد.
ولهذا السبب ولغيره اتحد حكام هذه الدول فيما بينهم واتفقوا على قمع المواطنين سواء كان في داخل أوطانهم أو خارجها عبر ما يطلق عليه بالقمع العابر للحدود، وفي كلتا الحالتين ستكون السجون والتعذيب والتنكيل أو الحكم بالإعدام هي مصير النشطاء في نهاية المطاف.
ولدينا هنا مثالاً صارخ على التنسيق الأمني بين تلك الدول وهو ما حصل مؤخراً مع نجل الشيخ الراحل يوسف القرضاوي، الشاعرعبدالرحمن القرضاوي عندما ذهب إلى زيارة سوريا بعد سقوط نظام الأسد ثم توجه إلى لبنان فإذا بالسلطات اللبنانية تعتقله ما جعل مصر والإمارات تطالبان بتسليمه.
وفي مطلع العام الجديد 2025 تم تسليم المعارض الكويتي سلمان الخالدي من قِبل السلطات العراقية إلى السلطات الكويتية عبر "إدارة الانتربول" .
لذلك عندما نرى حكام الدول العربية يدعمون بعضهم البعض بالتنسيق الأمني بتسليم النشطاء لسلطات دولهم للتنكيل بهم، توجب علينا أن نسأل ما الذي يجب على النشطاء فعله لمواجهة هذا القمع واتحاد الحكام، هنا صوت الناس سألت بعض النشطاء عن ما يجب عليهم فعله على اختلاف جنسياتهم وايدلوجياتهم وأديانهم، تجاه ما يحاك ضدهم، وتجاه تلك الأصوات التي تتعالى للمطالبة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى!
عندما سألنا الأمين العام لحزب التجمع الوطني الدكتور عبدالله العودة عن موضع تقريرنا ألا وهو تكاتف الشعوب أمام هذا القمع فقال:
بما ان الحكومات المستبدة تتعاون في العمل الأمني وتسليم الناشطين والقمع العابر للحدود، على جميع الشعوب أيضاً أن تتكاتف لأجل مقاومة هذا القمع وتأسيس جسور وآليات وطرق وقنوات للتواصل والتعاون لتكثيف الجهود والحملات والتنسيق فيما بينها لأجل مقاومة هذا القمع والاستبداد وتأسيس أسس ديمقراطية وشعبية في وطننا العربي والإسلامي.
وبحوارانا مع الناشط عبدالرحن فارس دعا لتكاتف النشطاء من كل البلدان العربية التي يسعى شعبها للحرية، والسبب لأن الأنظمة تتكاتف لقمعنا
لذلك هو يرى بأنه يجب علينا نحن أيضا أن نتكاتف من أجل مقاومتهم.
ورأى عبدالرحمن بأنه يجب أن تكون لنا بعض القضايا التي نتعاون فيها بشكل مشترك، مثل قضية المعتقلين.
وفيما يخص التدخل بشؤون الدول الأخرى
دعا عبدالرحمن الناس أن تتدخل في شؤؤن بعضها في هذه المساحات، لأن قضية حرية المعتقلين مثلا هي قضية للجميع
وقال عبدالرحمن بأن نقد السلطة الحاكمة ليس حكراً على المحكومين منها.
وختم عبدالرحمن قوله بطلب: فلو سمحت أيها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج ادعم وتحدث عن مطالبي بالحرية فأنا أحتاج إلى دعمك ودفاعك عني.
وعلق على أهمية تكاتف الشعوب
بأنها تأتي لأن النجاة جماعية ولا توجد نجاة فردية.
وأثناء حوارنا مع المتحدث الرسمي لحزب التجمع الوطني أحمد حكمي، سرد لنا قصة فيها عبرة بعنوان
"هو أخي دونك" فقال:
في أعقاب معركة بدر مرّ مصعب بن عمير بأحد المسلمين وهو يوثق أخاه أبا عزيز. وقد كان أبو عزيز في صفوف المعتدين من قريش. فاستنجد أبو عزيز بأخيه مصعب ليفكه من وثاقه وممن أسره. فردّ عليه مصعب: "هو أخي دونك".
وتابع حكمي:
اليوم نرى الاستبداد يتخندق سوياً ليضطهد ويقمع الشعوب والكلمات الحرّة. فقط في الأسبوع الماضي، فجعنا بخبري اعتقال لاثنين من أصحاب هذه الكلمات الحرّة، عبدالرحمن القرضاوي وسلمان الخالدي. أحدهما تمّ تسليمه بالفعل للكويت في اتفاق مشين مخزٍ، والآخر ينتظر علّنا لا نفجع فيه أيضاً. لم يقتل الخالدي ولم يسرق ولم ينتهك الحقوق. كلّ جريمته،، أنه تكلّم! وكذلك القرضاوي، اقترف جرم الكلمة وبيت الشعر!
وأضاف:
حينما نرى هذا التكالب من قوى الظلم التي لم تخترها الشعوب، نتذكر مصعب وأخيه، ليس الأخ الموثَق الذي اعتدى، بل الأخ في المبدأ والعقيدة، الأخ الذي لم تلده أمه. ونحن في مجابهة الظلم والاستبداد والمطالبة بالحقوق إخوةٌ وأخوات. تجمعنا الكلمة التي أرهبتهم وأقضّت مضاجعهم. ويوحدنا العمل تجاه دولة العدل والحقوق والديمقراطية.
وفي حديث مطول لصوت الناس مع عضو حزب التجمع الوطني ناصر العربي عن أهمية تكاتف الشعوب
بدأ حواره بشرح فكرة الدولة باسهاب وعلى ماذا قامت فقال:
فكرة الدولة في الأساس قامت على عقد اجتماعي وسياسي بين الشعب وبين الفئة الحاكمة، حيث الأكثرية فوضت أقلية في إدارة شؤون الحياة والمجتمع وأيضا المجتمع يراقب عمل السلطة ويلاحقها بالنقد والمحاسبة على سلوكها. فالنظام السياسي في أي مكان هو سلوك من يمسك بمقاليد الحكم. في عالمنا العربي، يختلف الحال، حيث إن السلطة السياسية مصادرة من قبل فئة محددة، كانت ملكية أوعسكرية أو إيديولوجية، فهي تحتكر كل شيء لصالحها
وأضاف العربي أن النظام العربي من الخليج إلى المحيط هو نسخ مكررة في جوهرها الداخلي، فهي أنظمة تسعى للتشبث بالسلطة ونهب الثروات وقمع الشعوب. فهي لن تخرج عن هذه الأهداف الثلاثة، مع وجود هامش يختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى أخر.
وتطرق الى وجود تنافس بين الدول لتوسيع النفوذ حيث قال: يوجد في المنطقة العربية تنافس شديد بين دول الاستبداد في توسيع نفوذهم السياسي والاقتصادي، لكن يوجد تنسيق عالي المستوى على قمع الشعوب. فتبادل الخبرات والتنسيق الأمني هو ركيزة أساسية لدى كل هذه الأنظمة، وهذا ليس أمراً مستحدثاً، وذكر ناصر السعيد كمثال عندما تم خطفة من بيروت من خلال التنسيق مع حركة فتح! وفي السنوات الأخيرة سلمت المغرب والكويت عدد من النشطاء السعوديين، لأن هناك قائمة أرسلتها دولة الاستبداد إلى هذه الدول. وهي غير قانونية ولا تستند إلى أي سند قانوني.
وشرح ناصر العربي الوقت الذي تم فيه تفعيل الاتفاقية الأمنية، وذكر أمثلة على ذلك
في عام ٢٠١٤، تم تفعيل الاتفاقية الأمنية الخليجية، التي تنص على أن أعضاء هذه الدولة يحق لهم دخول الدولة المجاورة وإلقاء القبض على المواطن المراد اعتقاله والعودة به إلى البلد. حدث هذا في الكويت عدة مرات، منها عام ٢٠١٨، حيث قامت قوات أمنية سعودية الشاعر نواف الرشيد من مناسبة في الكويت، على الرغم من دخوله للكويت بجواز قطري. هذه الاتفاقية الزمنية هي حلم للدول المستبدة في توسيعها على دول عربية وملاحقة المواطنين الشجعان ممن لديهم أمل بإصلاح حال بلدانهم ونقد الاستبداد وفضح مخططاته.
وعند سؤال العربي عن ما الذي يجب على النشطاء فعله على اختلاف جنسياتهم وأديانهم وايدلوجياتهم؟
أولاً يجب الإيمان بأن هذه الحدود هي وهم، فالإنسان هو إنسان كان في أي بقعة وتحت أي سماء، فالقمع لا يستثني أحد، فالمصري المقموع في مصر أو لندن هو مقعموع، ويجب أن ندافع عنه في أي مكان وجد، وأي إنسان يتم قمعه يجب أن نكون صوته وأن نطالب ونتحرك بكل الوسائل المتاحة، وإن لم تكن هناك مساحات نبتكر نحن مساحات ومبادرات جديدة لحماية المواطنين من القمع سواء كانوا نشطاء أو مواطنين. ثانياً: فضح هذه الممارسات أمر ضروري وهو أساس في هذا المسار. ثالثاً: مبادرات عاجلة لحشد المنظمات والإعلام والرأي العام حول هذه الفضيحة.
وأضاف العربي بأن هذا النوع من التكاتف مرعب للطغاة والأنظمة المستبدة، فهي تخشى الكلمة أكثر من أي شيء أخر، فهي تلاحق كل من يتكلم ومن يفضح ممارستها، لأنها تعجز عن المواجهة والإجابة عن سلوكها القمعي. لهذا هي تسعى لإحكام السيطرة على المجال العام وضمان عدم وجود أي صوت يفضح ممارستها وينتقدها. هذا التكاتف هو مؤشر على صحة المجتمع وعلى وجود حياة ورغبه في الحرية والكرامة، فهذا التكاتف هو مثل نبضات القلب، التي تشير إلى أن هذا الجسد لازال حياً.
وأشار إلى أن عدم وجود تكاتف هو مؤشر على أن السلطات نجحت في إحكام قبضتها على المشهد، وهو علامة على أن الطريق أمامها مفتوح لمزيد من القمع والقتل والإعدامات.
للأسف تعاني العديد من المجتمعات من حالة مزمنة من القمع وذلك بسبب قلة الفاعلين وخوف الأكثرية من المواطنين من فضح هذه الممارسات، وهو ما نرى نتائجه في المشهد حيث أن صوت القمع أعلى من صوت الإصلاح.
ووجه ناصر العربي رسالة إلى الشعوب العربية والإسلامية التي تعاني من الاستبداد، في نهاية حواره مع صوت الناس قائلاً:
أن الاستبداد سوف يتلاشى بوجود أشخاص مؤمنون بعملهم الإصلاحي، والمطمئن أن نظام الاستبداد يتآكل من الداخل ولا يوجد نظام استبداد لديه القابلية على الاستمرار لمدة طويلة، فهذا التاريخ يخبرنا بكل وضوح أن جل الأنظمة المستبدة لديها نقطة جوهرية بسبب طبيعة حكمها الذي هو حالة مستعصية تستحيل على الاستمرار على المدى البعيد.
لهذا الإيمان بالعدل والكرامة والحرية هي أساس في العمل الإصلاحي والمطالبة والسعي الدؤوب لحشد المجتمع والعمل مع الكفاءات والثقات من الوطنيين في إنهاء حالة الاستبداد.
فهذا الطاغية وأعوانهم ليسوا أهلاً في إدارة المجتمع، بل هم لصوص ومجرمين تمكنوا من الوصول لهرم السلطة وسوف يرحلون غير مأسوف عليهم.
السيادة للإنسان المواطن والقانون الذي يحمي الجميع ويرد اعتبار كل مظلوم ويأخذ على يد كل ظالم.
وعندما توجهنا إلى عضو حزب التجمع الوطني خلود العنزي، وسألناها عن هذا الموضوع قالت:
أنا دائما أقول أن المصالح لها أوجه متعددة بين الدول، فلدينا هنا مثال واضح عن التعاون بين الدول الأوربية بعد حروب وصراعات دامية، ألا وهو الاتحاد الأوروبي الذي جاء ليخدم مصالح الشعوب الغربية، وهنا الفارق بين النظم المستبدة والأخرى الديمقراطية، حيث أن الدول ذات الأنظمة المستبدة يسعى حكامها للمحافظة على حكمهم بأي طريقة، وهنا يسارعون إلى التنسيق فيما بينهم بما يطلق عليه بالتنسيق الأمني لتسليم من يمارس حقه الطبيعي بالتعبير ويطالب بحقوقه المسلوبة، هؤلاء بظنهم هم من يزعزع الأمن بمنشور على احد مواقع التواصل الاجتماعي! وبالتالي يجب اعتقاله ومطاردته لتعذيبه والتنكيل به والزج به بالسجن.
صارت دولنا العربية للأسف فخاً للمعارضين من كافة الدول العربية.
وفيما يخص الدعوة لعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى، قالت: هذه مصيبة أخرى انتقلت من حفظ سيادة الدول اللازمة ، إلى مطالبة الشعوب بعدم الاحساس بمعاناة بعضهم وتجاهل آلام بعضنا مثلما يحدث الآن في السعودية من الهاء مبالغ به بالترفيه بمحاولة تغييب المواطنين وفصلهم عن نبض المنطقة واحداثها مثلما يحدث في غزة من إبادة ممنهجة، و لأمر ما عاد يتوقف عند اعتقال احد الأشخاص في الدول الأخرى بسبب رأي والصمت عنه، بل وصل إلى حد تجاهل اعتقال مواطن ظلماً بل حد اعدامه بلا مسائلة أو اصدار تذمر بل يجد ترحيباً ربما ممن التبس عليهم الحق بالباطل. هنا يصل الأمر إلى عدم التدخل.
لذلك " كلنا في الهم شرق " مثلما قال مصطفى أمين، ويجب علينا كنشطاء أياً تكن جنسياتنا وأدياننا أن نتشارك النضال والخبرات لمواجهة آلة الاستبداد في منطقتنا كلٌ حسب أدواته، وكأننا في رابطة للشعوب تربطنا ببعضنا ألا وهي روابط المقاومة والإباء.