ليس ترفاً عندما أكتب عن هموم المواطن والوطن، عن الاستبداد وكوارثه، عن الطغاة وجرائمهم، عن رؤانا لمستقبلنا، وعن معتقلي الرأي تحديداً الذين يذيقهم الحاكم المجرم ألوان العذاب حد إصابتهم بالأمراض العضال أو حد فقدان الحياة في بعض الحالات، هذا الموضوع يجعل غيوم الأشجان تتكاثر من حولي حتى أفيض بالدموع الحاّرة التي وكأنما تسربلتها سكاكين القهر، ولكن سرعان ما استجمع قواي وأقف على قدمي وأعيد توجيه بوصلتي نحو الهدف الأسمى ألا وهو اجتثاث جذور الاستبداد واستعادة حقوقنا المسلوبة في جو تسوده الحريات والعدالة والمساواة.
في هذا الشهر نتذكر معتقلو سبتمبر الذين لم يرتكبوا جريمة ولم يخطئوا بحق أحد ولم يكونوا من المفسدين في الأرض، بل أنهم من خيرة القوم ويعتبرون من النُخب! الأمر الذي يصيب العاقل في حيرة تجعله يهتدي إلى مكمن الداء ألا وهو الاستبداد الذي لا يعرف للنور والحكمة طريق.
معتقلو سبتمبر منهم الداعية سلمان العودة الهادىء في طرحه والغير متشدد والذي يعرفه أغلب الأنام ويقرؤون مؤلفاته، تُلفق له تُهماً هزلية مما يجعلها تفتقد إلى المصداقية!
الكاتب المثقف عبدالله المالكي الذي توجه له تهمة تتعلق بنشاطه الثقافي وأخرى بسبب حيازته كتبًا غير مصرح بها! وغيرها مما يسبب الاختناق ووضع القيود ليس على الأفواه وحسب بل حتى على القلوب! إذ لا يحق لك أن تتعاطف مع قضية ما كما مع حصار قطر سابقاً، أو حتى مع الأشخاص والحديث عنهم كما مع العباس بن حسن فرحان المالكي الذي تحدث عن اعتقال والده أو الحالة المماثلة لخالد العودة عندما تحدث عن أخيه سلمان العودة!عبر تغريدة، أو أنس المزروع الذي تحدث في معرض الكتاب عن معتقلي الرأي والحقوق.
والباحث الشرعي حسن فرحان المالكي الذي يطالب الادعاء العام باعدامه! لأنه عبر عن آرائه الدينية ونشر كتبه ودراساته خارج المملكة السعودية! وعصام الزامل، علي العمري، فهد السنيدي، أعضاء جمعية حسم عيسى الحامد وعبدالعزيز الشبيلي. جميع معتقلي سبتمبر من الأكاديميين والمثقفين وعلماء الدين، زُج بهم في السجون ظُلماً وعدواناً، في جحيم لا يعرفه مجرمي الحق العام.
والأمل مازال يحدوني حتى في أحلًك الظروف أن الفرج قادم، وأن ذكرى الاعتقالات ستتحول إلى ذكرى للإفراج والانتصار للأحرار العُزل أمام آلة الاستبداد والقمع، سيخرج معتقلو سبتمبر وجميع معتقلي الرأي.
وهنا أتذكر حملة 1959 التي شملت العديد من المثقفين في مصر حيث صدر أمر عسكري باعتقال 436 شخصاً تقريباً والعام الذي قبله تم اعتقال 168 شخصاً وكان بينهم عدد كبير من الصحفيين والروائيين والشعراء والفنانين عموماً، بمعنى أنهم من النخب وهذا ما يفسر كثرة الكتابات عن السجن في مصر التي تصف المعتقل وأشكال العذاب، مروراً بكتاب (شيوعيون وناصريون) لفتحي عبد الفتاح، وصولاً إلى كتاب (معتقل في كل العصور) لفوزي حبشي.
وتحضرني بقعة جغرافية ليست ببعيدة عنا؛ لأن مكانها القلب والضمير هي فلسطين الحبيبة ومناضليها وأهلها وقضيتها العادلة، أتذكر المناضلة الفلسطينية عائشة عودة التي اعتقلت عام 1969 في سن الخامسة والعشرين وقضت عشر سنوات في السجن، حيث كانت صامدة أمام الشتم و الضرب والسحل حد التهاب جسدها وعدم قدرتها على ملامسة وجهها او تحمل أن يلمس جسمها الفراش وفي الاستجواب الأخير تم اغتصابها، ولم تتمكن عائشة من كتابة تجربتها في السجن إلا بعد ثلاثين عاماً أو أكثر في كتاب "أحلام بالحرية" عام 2004 . الشاهد من هذه القصص الواقعية أن معتقلو سبتمبر سيخرجون وسيساهمون في بناء وطننا الجديد الذي نحلم به، وسيكتبون ويقصون لنا ما لا نعلمه عن تلك البقعة النائية المحاطة بأسوار التنكيل والهوان، وستسقط تلك السجون وتنهار وتتحول إلى متاحف ليزورها الناس ويشاهدون تلك الزنازين الضيقة وغيرها، مثلما سقط سجن الخيام مع تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي الذي عُذبت به سهى بشارة وصُعقت وبعدما خرجت بعد مدة طويلة قضتها في السجن صدر كتابها (مقاومة) وسهى ليست الوحيدة طبعاً التي كانت خلف تلك القضبان، ولكنها على سبيل الذكر لا الحصر وكونها كتبت عن تجربتها ووثقتها.
فخورة أنا بأبناء وطني معتقلي الرأي والمناضلين في كل مكان على اختلاف أطيافهم ومعتقداتهم، اصمدوا الفرج قادم.