مقابلات

الديمقراطية والتعددية السياسية في السعودية (1) | مقابلة مع مضاوي الرشيد

الكاتب/ة أسامة سليم | تاريخ النشر:2021-10-10

مضاوي الرشيد، هي باحثة وأكاديمية وناشطة سياسية سعودية، صدر لها عدد من المؤلفات سواء في العلوم الإنسانية والانثروبولوجيا أو في العلوم السياسية والواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالمملكة السعودية، حيث ساهمت ولا تزال في عدد من النقاشات الدينية والسياسية، خاصة بعد مرحلة 11/09، وفي هذا السياق نستضيف الدكتورة مضاوي والتي تشغل منصب المتحدثة الرسمية بإسم حزب التجمع الوطني. سنة تمر على تأسيس  الحزب السعودي المعارض والذي يتخذ من لندن مقرا له، كانت سنة مليئة بالأحداث السياسية التي هزت المملكة خصوصا والمنطقة عموما، جائحة كوفيد، موجات التطبيع العربي مع الكيان، وكذلك سلسلة من الاعتقالات والعقوبات التي طالت عدد من المناضلين.ات والنشطاء في المملكة، المطالبين.ات بإصلاحات فعلية وجذرية أمام وحشية وقمع النظام من جهة وإهدار أموال الشعب في مشاريع خيالية من جهة أخرى، في هذا السياق تستضيف صحية صوت الناس عدد من المعارضين والنشطاء الحقوقيين للحديث عن حزب التجمع الوطني ودوره في مقارعة ديكتاتورية بن سلمان.


أنت معروفة في الأوساط باعتبارك أكاديمية وناشطة سياسية، لكن ليس بالالتزام الكامل والمعنى العام التي تحمله كلمة سياسة، كيف انخرطت في إطار حزب وأصبحت المتحدثة الرسمية باسمه؟ كيف كانت بداية العمل السياسي ونشاطك السياسي واهتمامك خارج النطاق الأكاديمي وخارج أبحاثك الجامعية؟ كيف كانت البداية نحو التوجه لتأسيس حزب سياسي وأن تصبحي من الأعضاء المؤسسين؟

شكرا على هذه الفرصة وعلى الدعوة من أجل حوار في صحيفة صوت الناس،  أولا العمل الأكاديمي خاصة في مجال التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة يتطلب معرفة السياق العام في أي بلد وفي أي منطقة وأنا أعتقد أن عملي الأكاديمي كان يستهدف تسليط الضوء على أمور وإشكالات وحالات تاريخية، لم يوفيها الأكاديميون حقها في البحث بطريقة تختلف عن السردية الرسمية للنظام السعودي. فكان شاغلي الأكاديمي أن أسلط الضوء على هذه الحقبات التاريخية أو المشاكل السياسية او على العلاقات الخارجية من منظور يختلف عن الخطاب الرسمي الذي يُسَخّرْ الخطاب الأكاديمي لمصلحته حتى يضفي على نظامه شرعية يفتقدها، فكان صوتي الأكاديمي ربما "نشاز" لأنه يبتعد عن السردية للنظام، فإذا نظرت إلى جميع الأبحاث او الكتب التي قمت بها كانت من منطلق اهتمامي بقضايا معينة حتى لو كانت هذه القضايا خارج السعودية، مثلا قمت بدراسات عن الهجرة العربية إلى بريطانيا ودراسات عن التكامل الخليجي هذا بالإضافة إلى دراسات عن موقف السعودية من القضية الفلسطينية.

 كل هذه البحوث الأكاديمية كان همها أن تظهر - من خلال البحث العلمي واستعمال الأرشيف التاريخي أو مقابلات مع الأشخاص - الوجه الآخر للسردية السعودية الرسمية، أما بالنسبة للبحث الأكاديمي في مجال الوطن وقضايانا المعاصرة، فكنت دائما أسلط الضوء على ما يسمى "الجهات التي تحاول الأنظمة أن تطمس تاريخها وهويتها أو تأخذ من نضالها" فكنت دائما أركز على مواضيع حساسة ومن المستحيل أن أقوم بدراسة هذه المواضيع لو كنت في السعودية مثلا كتابي ما قبل الأخير كان عن الحداثيون المكتومون، يعني حتى العنوان ربما يستفز النظام، خاصة وأنني ركزت على مجموعة إصلاحية كانت تنطلق من مبادئ إسلامية تم الزج بها في السجن مثلا؛ جمعية حسم السعودية، أما الكتاب الذي تلاه كان عن حقبة سلمان وما فيها من مطبات ومشاكل خاصة وأننا نواجه دعاية إعلامية شرسة تصور لنا أن العهد السلماني على أنه العهد الجديد وانه عهد الدولة السعودية الرابعة وأننا نهضنا نهضة فضيعة، أما الكتاب الأخير فكان اسمه الابن الملك وهو تحديدا عن علاقة المجتمع بالدولة في عهد سلمان وابنه، وبالأخص ابنه يعني مثل هذه الأبحاث خاصة البحث الأخير يسلط الضوء على معضلة القمع وازدواجية القمع والإصلاح في السعودية التي كان يروج لها محمد بن سلمان ويترك المعادلة القمعية.

انتقلت اذن من هذه الدراسات الى العمل السياسي المؤسساتي، يعني كل بحث أكاديمي كان بالنهاية سياسي أما المؤسسة السياسية فكان انخراطي بتأسيس حزب مع مجموعة من السعوديين نطالب فيها بالديمقراطية ووضعت الأفكار التي كنت أؤمن بها في العمل الصريح الواضح، لأن الحاجة ماسة لمثل هذا الحزب.

إذن هناك وجاهة في هذا الانتقال، حيث انك انتقلت من علم الاجتماع والعلوم الإنسانية وعلاقتها بالسياسة إلى السياسة في حدّ ذاتها،  وفي هذا الإطار يأتي سؤال يمزج بين العلوم الاجتماعية والسياسية؛ البعض وخصوصا من مساندي النظام يعتبر أن البنى الفوقية في السعودية مشوّهة، أي أن السعوديين والسعوديات غير جاهزين.ات لتقبل مفاهيم مثل الديمقراطية والتعددية والتسامح والحريات الفردية والعامة. الكثير يعتبر أن المجتمع السعودي غير قادر ولن يستوعب في بناه الفوقية هذه المفاهيم، وهذا في نهاية الأمر تواطؤ وشبه تبرير للواقع القمعي والديكتاتورية وحكم الشخص الواحد، خصوصا أيضا وانك تحدثتِ في كتابك الأخير عن الدولة وثنائية القمع والإصلاح؛ حيث يتجلى في كونه مجتمع أبوي تقوم النساء بالنضال من سنوات لانتزاع حقوقها، والعديد من المناضلين والنشطاء يناضلون من أجل الحقوق الفردية وحق تأسيس جمعيات او أحزاب او منظمات وغير ذلك. لكن العديد يقدم إجابة جاهزة ان المجتمع السعودي غير قابل او لن يستطيع استيعاب هذه المفاهيم ما هو تصورك حول هذه النقطة؟

هذا الخطاب خطاب الدعاية المضادة التي ينشرها النظام ومطبليه ومثقفيه، اولا لو كان المجتمع السعودي غير جاهز لهذه الأفكار لما وجدنا السجون ممتلئة. انا ذكرت الكثير في سؤالك السابق عن جمعية حسم التي  كانت تنادي بالمشاركة الشعبية، ببرلمان منتخب، كانوا يريدون حكومة منتخبة وفصل السلطات.

كل هذه المفاهيم كانوا يتداولونها وأدت بهم إلى السجن حتى أن أحد المؤسسين في جمعية حسم عبدالله الحامد توفي في السجن مؤخرا منذ أكثر من ٦ أشهر، وحتى هذه اللحظة هناك محمد القحطاني وفوزان الحربي وأسماء كثيرة كلها شاركت في هذا المشروع وكان همها فصل السلطات والمشاركة الشعبية في الحكم. هذه كلها مفاهيم ديمقراطية في نظري. لذلك نحن في حزب التجمع لم نخترع شيئا جديدا بل نحاول ان نكمل المسيرة لأن هذه المفاهيم كانت موجودة ومتداولة في المجتمع. لذلك إذا نظرنا إلى السجون فهي ممتلئة بالنشطاء والناشطات. والنظام يحاول ان يقول ان السجون كلها إرهابيين لكني وجدت ان الكثير فيها  هم إصلاحيين وعندهم أفكار إصلاحية، وكتبت عنهم كتاب مثلا "الحداثيون المكتومون" كان بالدرجة الأولى يهدف الى تسليط الضوء على هذا التيار الإصلاحي في الداخل السعودي، لذلك مفاهيم الحزب والديمقراطية وهذه الكلمات ليست بالشيء الغريب في السعودية ولا عند السعوديين.ات ولذلك نحن وجدنا أنه بسبب القمع أغلقت جميع الفرص للعمل المشترك في الداخل، ولذلك اتجهنا الى تأسيس حزب في الخارج ليكون منصة للداخل وهمومه وطموحاته في مستقبل يكون فيه الإنسان محترم ويشارك في مجتمعه كعضو فعال وفي صياغة السياسة في بلاده.


يصدر الجزء الثاني من الحوار يوم الأربعاء 13 أكتوبر.